البحرين: حُكم المحكمة يتجاهل أدلة التعذيب


إدانة 19 شخصاً بالقتل رغم تبرئتهم من قبل ورغم نقص الأدلة وانتزاع الاعترافات بالإكراه
April 30, 2010
“حكم محكمة الاستئناف هذا يتحدى زعم البحرين بأنها لا تتسامح إطلاقاً مع التعذيب أثناء استجواب المشتبهين الجنائيين. لم تقدم الحكومة دليلاً واحداً يربط المدعى عليهم بالحادث سوى الاعترافات المجردة من المصداقية إلى حد بعيد.” – جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش


إدانة 19 شخصاً بالقتل رغم تبرئتهم من قبل ورغم نقص الأدلة وانتزاع الاعترافات بالإكراه
April 30, 2010
“حكم محكمة الاستئناف هذا يتحدى زعم البحرين بأنها لا تتسامح إطلاقاً مع التعذيب أثناء استجواب المشتبهين الجنائيين. لم تقدم الحكومة دليلاً واحداً يربط المدعى عليهم بالحادث سوى الاعترافات المجردة من المصداقية إلى حد بعيد.” – جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش

(نيويورك) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن حُكم محكمة استئناف بحرينية في 28 مارس/آذار 2010 بإدانة 19 رجلاً باتهامات بالقتل ومحاولة القتل تقوض كثيراً من زعم الحكومة بأنها لا تتسامح مع التعذيب.

وكانت الحكومة قد طعنت في حُكم المحكمة الأدنى درجة الصادر في أكتوبر/تشرين الأول 2009 والقاضي بتبرئة 19 رجلاً جراء إكراههم حسب الظاهر على الإدلاء باعترافاتهم ولغياب أية أدلة أخرى تربط المشتبه بهم في مقتل ضابط أمن. وقد أنزلت محكمة الاستئناف حُكمها رغم تقرير من أطباء الحكومة انتهى إلى أن أغلب الرجال المتهمين لديهم إصابات تتفق مع روايات عن تقنيات الاستجواب المنطوية على الإساءات.

وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “حكم محكمة الاستئناف هذا يتحدى زعم البحرين بأنها لا تتسامح إطلاقاً مع التعذيب أثناء استجواب المشتبهين الجنائيين”. وتابع: “لم تقدم الحكومة دليلاً واحداً يربط المدعى عليهم بالحادث سوى الاعترافات المجردة من المصداقية إلى حد بعيد”.

القضية جاءت إثر مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن في بلدة كرزكان في أبريل/نيسان 2008، وقد خلّفت عربة للشرطة مشتعلة وأسفرت عن مقتل ضابط أمن في ثياب مدنية، هو ماجد أصغر علي، باكستاني يعمل لصالح وزارة الداخلية البحرينية. وقال مكتب المدعي العام إن 17 من 19 مدعى عليهم اعترفوا طوعاً بأدوارهم في الواقعة وأدانوا الاثنين الآخرين. وفيما بعد تراجع الـ 17 شخصاً عن اعترافاتهم في المحكمة، زاعمين بأنها منتزعة تحت تأثير التعذيب وكانت بالإكراه.

وقد أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريراً من المنامة في 8 فبراير/شباط يوثق الاستخدام المتكرر للإكراه البدني المؤلم من قبل ضباط أمن البحرين من أجل الحصول على الاعترافات.

وعلى أساس مزاعم التعذيب، أمرت المحكمة الأدنى درجة أطباء وزارة الصحة بفحص المدعى عليهم. وتمت الفحوصات في يوليو/تموز 2008. وفي سبتمبر/أيلول قدم أطباء وزارة الصحة تقريراً للمحكمة يعرض تفصيلاً ما انتهوا إليه بشأن 28 مدعى عليهم (19 مدعى عليهم في هذه القضية و9 آخرين في قضية أخرى ظهرت على صلة بواقعة منفصلة في كرزكان). وانتهت التقارير الطبية، من بين نتائج أخرى، إلى أن:

•17 من 28 شخصاً مصابين وبندبات أو كدمات أو الاثنين.
•خمسة أشخاص مصابين بسحجات أو كدمات على معصمهم نتيجة “تقييد هذه المنطقة أو التعليق من السقف منها حسب شهادة أغلب المشتبه بهم”.
•الكدمات والإصابات الأخرى قد تكون “نتيجة للضرب”.
وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول 2009، برأت المحكمة الأدنى درجة – التي يرأسها قاضٍ من الأسرة البحرينية الحاكمة، آل خليفة – المتهمين الـ 19 من جميع الاتهامات المنسوبة إليهم. وفي شرح المحكمة لحيثيات حكمها القاضي بالتبرئة، اقتبست من نتائج التقرير الطبي وما ورد فيه من أن المدعى عليهم مصابين بالكدمات في معصمهم والإصابة [قالوا] إنها بسبب التعليق من السقف، وأن المدعى عليهم مصابين بندبات وإصابات أخرى. ولأن المحكمة غير مطمئنة للاعترافات المنسوبة للمدعى عليهم، ولديها شكوك في طوعية هذه الاعترافات وأنها من اختيار المدعى عليهم، فقد اختار القضاة عدم الأخذ بجميع الاعترافات. كما أورد حكم المحكمة الأدنى درجة غياب أدلة أخرى ضد المدعى عليهم.

تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر في 8 فبراير/شباط بعنوان “التعذيب يُبعث من جديد: إحياء سياسة الإكراه الجسماني أثناء الاستجواب في البحرين” يعرض تفصيلاً ممارسات الاستجواب من قبل قوات الأمن البحرينية من أواخر 2007 إلى مطلع 2009. “التعذيب يُبعث من جديد” أورد تقرير وزارة الصحة بشأن المدعى عليهم في قضية كرزكان وإسقاط المحكمة لجميع الاتهامات. وفي ردها، أنكرت وزارة الداخلية بقوة أنها تتسامح مع أي ممارسات مسيئة بدنياً.

بيان حُكم الاستئناف – من أن الادعاء عندما أجرى الاستجواب الرسمي مع المشتبه بهم لم يلاحظ أدلة على الإصابات يمكن أن يكون سببها الإساءات التي يزعمونها – يتناقض مع تصريحات سابقة لوزارة الداخلية. ففي رد كتابي حصلت عليه هيومن رايتس ووتش في 7 فبراير/شباط، قالت وزارة الداخلية إن الادعاء قد لاحظ في واقع الأمر وجود إصابات في المشتبه بهم لكنه عزاها إلى إصابات لحقت بهم أثناء المظاهرات العنيفة وليس كونها إساءات لحقت بهم أثناء الاستجواب.

قرار محكمة الاستئناف لا يوفر أيضاً أي أدلة تربط المدعى عليهم بمقتل الضابط علي. طبقاً للحكم المكتوب، فإن فهد فضالة، الضابط بإدارة وزارة الداخلية العامة للتحقيق الجنائي، “شهد بأن تحقيقاته كشفت عن أن المتهمين أشعلوا النار في سيارة للشرطة وقتلوا ماجد أصغر علي” لكن لا توجد معلومات عن تحقيقات فضالة أو أية تفاصيل منها. فضالة هو أحد الضباط الخمسة المذكورين في تقرير “التعذيب يُبعث من جديد”، من بين المزعومة مسؤوليتهم عن الإساءة بدنياً للمشتبه بهم أثناء الاستجواب.

دليل الطب الشرعي الوحيد الذي ذكرته محكمة الاستئناف كان التعرف على عينات الدم من مسرح الجريمة التي يُعتقد أنها تعود للضحية المتوفاة والضرر اللاحق بسيارة الشرطة جراء الهجوم عليها بالحجارة وزجاجات حارقة. كما ذكر الحُكم شهادة عمار مسعد وصالح علي صالح منصور، وهما ضابطا شرطة كانا في مسرح الأحداث وقت الهجوم، لكن لم تتم الإشارة إلى قدرة أي من الضابطين على التعرف على أي من المدعى عليهم الـ 19 وأن أي منهم متورط فيما حدث.

أدانت محكمة الاستئناف العليا الجنائية المدعى عليهم الـ 19 جميعاً، ومنهم الاثنين اللذين رفضا الاعتراف. وقال حُكم محكمة الاستئناف بأن شكاوى المدعى عليهم من التعذيب لا أساس لها من الصحة، مورداً مزاعم لمسؤولين من الادعاء بأنهم لم يلاحظوا أية إصابات في المدعى عليهم أثناء استجوابهم في الأيام التالية مباشرة على اعتقالهم. حُ:م الاستئناف قال أيضاً إن أطباء وزارة الصحة لم يتمكنوا من الجزم بأن المدعى عليهم قد عُذبوا وأن بعض الإصابات التي ورد ذكرها تعود إلى وقت سابق على الاعتقال، ومن ثم لا تستقيم مع كونها أدلة على الانتهاكات. المدعى عليهم، حسبما استنتجت المحكمة، اعترفوا بشكل حر دون إكراه.

وقال جو ستورك: “حُكم المحكمة الكتابي لا يحتمل حتى أخف التدقيق”. وأضاف: “تقريرنا أظهر أن الادعاء مشارك في مشكلة التعذيب في البحرين، إذ أنه حريص على نزع المصداقية عن مزاعم المدعى عليهم. أطباء وزارة الصحة على الجانب الآخر، لا مصلحة واضحة لهم في أي نتائج محددة يصلون إليها”.

وقد ذكر الأطباء أنهم لا يمكنهم الجزم بأن التعذيب قد أدى للإصابات التي شاهدوها، نظراً لمرور شهور قبل إجراءهم الفحوص الطبية، لكنهم ذكروا أيضاً أن الإصابات التي شاهدوها تتفق مع روايات المدعى عليهم الخاصة بالتعرض للتعذيب.

وقالت هيومن رايتس ووتش إن فكرة أن أطباء وزارة الصحة قد اطلعوا على إصابات قديمة هي فكرة خاطئة. فقد أوضح الأطباء بكل حرص وجود إصابات قديمة في حالتين من الحالات، لكن هاتين الحالتين ليستا ضمن الأشخاص السبعة عشر الذين اكتشفوا فيهم ندبات وإصابات تتفق مع كونها جراء الإساءة البدنية.

وقالت هيومن رايتس ووتش أيضاً إن قرار المحكمة بالحكم على المدعى عليهم الـ 19 جميعاً بالسجن ثلاثة أعوام بتهمة قتل ضابط شرطة يبدو أنه قرار سياسي الدوافع. فالمادة 333 من قانون العقوبات البحريني تنص على الإعدام بحق من يقتل موظف عام أو ضابط متعهد بالخدمة العامة. ولم تبذل المحكمة أي جهد ظاهر لتحديد من من بين المدعى عليهم مسؤول عن مقتل الشرطي، وحكمت عليهم جميعاً بشكل عشوائي بالسجن ثلاثة أعوام.

وقال جو ستورك: “هذه الأحكام بثلاثة أعوام توضح أن السلطات لا تعتقد فعلياً بأن هؤلاء الأشخاص قتلوا الشرطي” وأضاف: “هذا حكم سياسي كما هو واضح، ويشير إلى أنه ما زال أمام البحرين بعض الخطوات إلى أن يصبح قضاءها مستقلاً على كافة المستويات”.
http://www.hrw.org/en/news/2010/04/30