البحرين: تزايد الاعتقالات ومزاعم جديدة بالتعذيب مع قرب أسبوع الشهداء وضحايا التعذيب


هروباً وليس حلولاً لملفات حقوق الانسان

ديسمبر 2009م


هروباً وليس حلولاً لملفات حقوق الانسان

ديسمبر 2009م

يراقب مركز البحرين لحقوق الإنسان الوضع الأمني المتدهور بقلق شديد ويخشى انفلات الوضع وتأثيره على الاستقرار العام في البلاد والى مزيٍد من التراجع لأوضاع حقوق الانسان، جراء عودة سياسة القبضة الأمنية للواجهة، من خلال بدء حملة اعتقالات جديدة في الكثير من مناطق وقرى البحرين ذات الغالبية الشيعية ، وكذلك من ورود تقارير عن تعرض الكثير من هؤلاء المعتقلين إلى التعذيب الجسدي والنفسي في مراكز التحقيق والاحتجاز . فقد نمى لعلم مركز البحرين لحقوق الانسان إن القوات الأمنية المشكلة من القوات الخاصة ورجال المخابرات( الأمن الوطني) ، قامت وفي أوقات مختلفة أغلبها قبل طلوع الفجر باقتحام عدة منازل في قرى ومناطق مختلفة، واعتقال ما لا يقل عن 15 فردا من شباب تلك القرى ، واقتيادهم للمراكز الأمنية دون الالتزام بأي من حقوق المعتقلين وأهاليهم في عملية الاعتقال والتفتيش ودون مراعاة للقوانين المحلية والمواثيق الدولية التي صدقت عليها البحرين. وتأتي حملة الاعتقالات على خلفية أنشطة وتظاهرات احتجاجية متنامية تشهدها قرى ومناطق البحرين المختلفة، تكاد تكون شبه يومية رداً على سياسة الحكومة المستمرة في التمييز الطائفي على جميع الأصعدة ضد سكان البلاد الأصليين من أبناء الطائفة الشيعة، والتجنيس الطائفي والسياسي الذي ترعاه المؤسسة الحاكمة ، وتهميش المعارضة بجميع أطيافها داخل وخارج المؤسسة النيابية، وإبقاء العشرات من المعتقلين في السجون وتنامي المزاعم عن تعرضهم للتعذيب، وتجاهل ملف الشهداء وضحايا التعذيب من قبل السلطات، وهو ما يزيد من حده تلك الاحتقانات المسببة لتلك الاحتجاجات والتظاهرات، خصوصا مع قرب أسبوع الشهداء وضحايا التعذيب. وتخللت تلك الاحتجاجات أعمال عنف متبادلة بين الطرفين واستخدام مفرط للقوة واستخدام الأعيرة النارية الحية من قبل رجال القوات الخاصة، والذي جوبه بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة وحرق الإطارات وحاويات القمامة لإغلاق الشوارع في مناطق الاحتجاجات. وما يزيد من شدة الاحتقان المسبب لتلك الأنشطة الاحتجاجية هو ممارسة العقاب الجماعي ضد بعض القرى والمناطق ومحاصرتها وإغراقها بالغازات المسيلة للدموع، واستخدم الذخيرة الحية ضد المتظاهرين وكذلك الرصاص المطاطي من قبل القوات الخاصة التي يتشكل أفرادها من قوات المرتزقة الأجانب الذين تجلبهم السلطة وتوطنهم وتمنحهم الجنسية البحرينية من أجل القيام بهذه المهام، وعادة ما تكون هذه القوات مصحوبة بسيارات مدنية وأفراد بلباس مدني. ويذكر بأن قرى الدير، وكرانة والسهلة وسترة والمعامير وأبوصيبع والدراز والسنابس والديه وجدحفص والمقشع- وبعض القرى الأخرى- كانت مسرحاً لمواجهات مستمرة ومتصاعدة . وتعرض غالبية المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة حسب الإفادات التي قدمها المحاميين العاملين في الدفاع عن المعتقلين أو من خلال إفادات أفراد اسر المعتقلين الذين تسنى لهم زيارة أبنائهم في السجن.

فبعد احتجاجات دامت أكثر من أسبوع، شهدت قرية الدير مواجهات عنيفة استعملت فيها القوات الخاصة الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والذخيرة الحية بشكل كثيف أدت إلى إصابة البعض وسقوطهم جرحى[i]، كما تعرضت بعض سيارات القرية للتكسير من قبل القوات الخاصة كجزء من العقاب الجماعي التي تلك القوات. وتبع تلك المواجهات حملة اعتقالات في ساعات الفجر الأولى من يوم الأربعاء الموافق 18 نوفمبر شملت تسعة من أحداث وشباب تلك القرية عرف منهم:

1- كميل حسن الغنامي (16سنة)

2- سيد علي سيد سعيد (22سنة)

3- حسن علي حسن (26سنة)

4- حسين علي أحمد العمر (23سنة)

5- محمد فيصل العمر (19سنة)،

6- حسين فيصل العمر (17 سنة)

7- أحمد عطية العمر (18سنة)

8- أحمد عبدالمطلب العمر (16سنة)

9- رضا رجب العمر ( 15 عاما )

وتشير التقارير التي وثقها مركز البحرين لحقوق الانسان إن معظم أولئك الشباب تم اعتقالهم من منازلهم ما عدا حسين فيصل الذي تم اعتقاله من الشارع، وان عمليات الاعتقال تمت دون إبراز أي أوامر رسمية لعملية القبض أو أسبابه، كما منع أهاليهم من معرفة أي أخبار عنهم حتى مضت ثلاثة أيام من اعتقالهم ، وكذلك في النيابة التي أمرت بحبسهم لمدة 15 يوم على ذمة القضية بتهم التجمهر والشغب والحرق الجنائي وإتلاف الممتلكات العامة. وقد تم التحقيق معهم وتعريضهم للتعذيب وللمعاملة غير الإنسانية أثناء التحقيق دون وجود محامي أو أي تمثيل قانوني.

وفي قرية السهلة انتهى اعتصاما سلميا بمواجهات حامية بين قوات الأمن الخاصة والمحتجين، نتج عنها – كما صرحت وزارة الداخلية- إصابة أحد أفراد القوات الخاصة بحروق بسبب إلقاء أحدى الزجاجات الحارقة عليه من قبل المحتجين، وسقط بعض المحتجين جرحى إلا انه تمت معالجتهم في منازلهم خوفا من اعتقالهم. وتبع تلك المواجهات عمليات اعتقالات شملت:

10- عبد العزيز عبد الرضا ابراهيم (23 عاما) مدينة حمد والذي اعتقل صباح الأحد الموافق 22 نوفمبر من مكان عمله. كما شملت الحملة

11- سيد صادق سيد علي مهدي (17عاما) طالب في الثانوية من سكنة مدينة حمد اعتقل 23 نوفمبر

12- سيد عيسى سيد عباس (22 عاما) من سكنة مدينة حمد، اعتقل 23 نوفمبر حيث أفادت التقارير التي وثقها مركز البحرين لحقوق الانسان عن تعرض أبواب منزلي الشابين سيد عيسى وسيد صادق للتكسير والعبث بمحتويات منزليهما وتخريبها من قبل القوات المقتحمة.

وتحدث جميع معتقلي أحداث السهلة لمحاميهم أو أفراد أسرهم عند لقائهم عن التعذيب الذي تعرضوا له مند لحظة اعتقالهم حتى أثناء التحقيق والاحتجاز، بل طالب المحامي محمد الجشي من النيابة العامة عرض موكله السيد عيسى على الطبيب الشرعي لتثبيت إصابات التعذيب التي كانت بارزة الوضوح على جسم موكله، وعليه قامت النيابة بإحالته للطبيب الشرعي . وشهدت قرى أخرى عدة اعتقالات عرف منهم:

13- عيسى عبدالله كاظم (21عاما) من قرية كرانة والتي تشهد هي مع جاراتها مثل قرية أبو صيبع وقرية المقشع- سلسلة احتجاجات شبه يومية وهي محاصرة ليليا من قبل القوات الخاصة منذ عدة أسابيع.

وشهدت قرية المعامير نفس الاحتجاجات وفي ظهر الثلاثاء الموافق 17 نوفمبر، داهمت قوات الأمن الخاصة منزل:

14- مجيد حسين صليل ( 28سنة) واعتقاله . وقد تعرض للتعذيب الشديد بعد عملية الاعتقال من خلال تعليقه من يديه وضربه أثناء تعليقه. وتشير أسرة المعتقل بأن مجيد قد منع من الأكل لمدة يومين تعرض خلالهما للضرب بالفلقة والتعليق فيما يعرف بغرفة “الدرج” وهي المكان المستعمل لتعليق المعتقلين وتعريضهم للضرب أثناء ذلك لحملهم على الاعتراف. وتم الزج بمجيد في الحبس الانفرادي لمدة 7 أيام ومنع من السباحة لإرغامه على الاعتراف على نفسه بما يمليه عليه المحققين.

15- حسن عبدالأمير رضي (20سنة) من قرية المعامير اعتقل في 11 نوفمبر في منطقة البلاد القديم، وحسب ما أدلت به أسرته للمركز انه ولإرغامه على الاعتراف على نفسه بما يمليه عليه المحققون، تم منعه من الأكل والشرب لمدة يومين كما تعرض أثناء التحقيق للضرب والتعليق بطريقة الفلقة أو التعليق في غرفة “الدرج”، كما تم ضربه لفترة متواصلة على رجليه حتى اسودتا قدميه، وأرغم على الوقوف لمدة طويلة وهو مقيد اليدين بالقيد الحديدي وتعرض للإهانة والشتم الذي يمس معتقداته المذهبية وتهديده بالاعتداء عليه جنسيا، قبل أن يحتجز في سجن إنفرادي لمدة 14 يوم، منع خلالها من الاستحمام.

مخالفات في إجراءات الاعتقال والحبس والتحقيق

تشير معظم الحالات التي تم توثيقها من قبل المركز أن أجهزة الأمن قد استعملت القوات الخاصة والميليشيا المدنية التابعة لجهاز الأمن الوطني في جميع عمليات الاعتقال إلا إنها كانت دون أي إذن رسمي يبين جهة أو أسباب الاعتقال، وكذلك حرمانهم من الاتصال بمحاميهم أو مع ذويهم في الأيام الأولى من الاعتقال نزولا عند المادة 61 من قانون الإجراءات الجنائية للعام 2002م والتي تنص على ” لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانونا ، كما يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ، ولا يجوز إيذاؤه بدنيا أو معنويا. ويواجه كل من يقبض عليه بأسباب القبض عليه ، ويكون له حق الاتصال بمن يرى من ذويه لإبلاغهم بما حدث والاستعانة بمحام”.

وقد أوضحت جميع حالات الاعتقال السابقة بأن المعتقل، ليس فقط لا يعلم بالتهمة الموجهة له أثناء اعتقاله بل يتم حرمانه من الاتصال بالعالم الخارجي، كما يتم حرمان المعتقل من الآكل والاستحمام وممارسة واجباته الدينية، وإرغامه على الوقوف لساعات طويلة وحبسه انفرادياً لمدة طويلة عقاباً له، ولاستلال الاعترافات منه، منتهكة بذلك المادة 7 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صدقت عليه البحرين في سبتمبر 2006 على انه “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة” وجميع من تم اعتقالهم لم يقبض عليه متلبسا بجرم أو جناية أو تهم يعاقب عليها القانون، فقد كانوا غالبيتهم في منازلهم نائمين عندما اقتحمت القوات منازلهم. وتنص المادة 57 من قانون الإجراءات الجنائية انه :”يجب على مأمور الضبط القضائي أن يسمع فورا أقوال المتهم المقبوض عليه ، وإذا لم يأت بما يبرئه يرسله في مدى ثمان وأربعين ساعة إلى النيابة العامة. ويجب على النيابة العامة أن تستجوبه في ظرف أربع وعشرين ساعة ثم تأمر بحبسه أو إطلاق سراحه “. وينص القانون على وجود أمر قضائي يوضح “الجريمة” المتهم فيها المعتقل ودوره فيها، قبل جلبه للتحقيق، وجاء في المادة 14- من العهد الدولي للحقوق المدنية والخاصة بتوفير الضمانات لكل متهم بجريمة أن يتمتع أثناء النظر في قضيته، وعلى قدم المساواة التامة، بالضمانات الدنيا منها:” -أن يتم إعلامه سريعا وبالتفصيل، وفى لغة يفهمها، بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها،-أن يعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لإعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه، -ألا يكره على الشهادة ضد نفسه أو على الاعتراف بذنب”.

وفي ظل افتقار النيابة العامة لمعايير الحماية للمعتقلين والتعامل معهم على مبدأ الخصم غير الشريف وعلى أساس الجرم لا البراءة، كما دلت على ذلك شهادات المعتقلين في السابق، فإن النيابة عادة ما تتواطأ مع الأجهزة الأمنية[ii] حسب ما جاء به تقرير سابق لمركز البحرين لحقوق الانسان. وعادة ما يعود المعتقل لمكان التحقيق والتعذيب ليواجه المحققين والمعذبين حتى بعد مرور الـ”48″ الساعة الأولى، وبالرغم من نكران المتهم للتهم أمام النيابة وفي حضور محاميه أحيانا.

ونتيجة للتدهور الأمني الناتج عن حالة الاحتقان السائدة جراء عجز السلطة الحاكمة في وضع الحلول أو التوقف عن سياستها المتسببة في هذه الأزمة المستمرة والمتصاعدة في البلاد، يخشى مركز البحرين لحقوق الانسان أن يؤدي هذا العجز الواضح إلى دفع الجهات الرسمية إلى اختلاق أحداث أمنية ما أو عمل إرهابي وهمي تتبعه بمزيد من الاعتقالات كما دأبت على القيام به خلال اشهر ديسمبر في السنوات الأخيرة، خصوصا مع قرب أسبوع الشهداء وضحايا التعذيب الموافق 10-17 ديسمبر والذي يحتفل فيه كل عام ويصادف قربه من عيد الجلوس الموافق 16 ديسمبر من كل عام.

وبناء على كل ما سبق يطالب مركز البحرين لحقوق الانسان المؤسسة الحاكمة متمثلة في الديوان الملكي:

البدء بحوار فعلياً وليس شكلي لحل كل المسائل والملفات الخلافية الحقوقية العالقة، بدل الحلول الأمنية التي لم تكن ولن تكون حلا مثاليا لأي من الأزمات بل ستزيدها تباعدا وتعقيدا، وعلى راس تلك الملفات التمييز الطائفي الممنهج البغيض الممارس ضد أبناء الشيعة والذي أصبح واضحا في انه يجد له الرعاية والتبني والدعم من قبل رموز السلطة الحاكمة، ووقف التجنيس السياسي والتلاعب بالنسيج الاجتماعي الذي يستهدف كافة سكان البلاد من شيعة وسنة، وتبييض السجون من معتقلي الاحتجاجات والإفراج عنهم، والتوقف عن انتهاج التعذيب كوسيلة لاستلال الاعترافات من المتهمين بغض النظر عن حجم جرمهم، وتقديم المسئولين عن التعذيب للعدالة وجبر ضرر ضحاياهم، وحل جهاز الأمن الوطني وإرجاع صلاحياته لأجهزة الأمن العادية، وإرجاع رجال المرتزقة العاملين في الأجهزة الأمنية إلى بلادهم، وتقديم من ارتكب جرما منهم إلى المحاكمة العلنية العادلة. ويطالب المركز أيضا بإعادة تشكيل جهاز النيابة العامة بما يضمن له الاستقلالية والنزاهة وإبعاده عن الأجهزة التنفيذية والأمنية في البلاد. ويؤكد المركز أيضا على حق الأفراد والمتضررين والضحايا في الاحتجاج والتظاهر السلمي وهو حق مباح ومشروع كفلته المواثيق الدولية لحقوق الانسان، إلا أن المركز يطالب في نفس الوقت أن تتسم هذه الاحتجاجات بالسلمية والوضوح في المطالب والابتعاد عن العنف والعنف المضاد ولعدم إعطاء السلطة الذرائع لتعسفها وفي استخدامها المفرط للقوة ضد المتظاهرين أو القرى والمناطق التي يقطنوها.

مركز البحرين لحقوق الانسان

\—————————————–

[i] http://www.bchr.net/ar/node/2982

[ii] http://www.bchr.net/ar/node/2960