وثَّق مركز البحرين لحقوق الإنسان ممارسة إسقاط الجنسية كأداة لمعاقبة المعارضين السياسيين وعائلاتهم، مما وجّه للحاجة إلى تسليط الضوء على قضية هامة هي قضية عديمي الجنسية في البحرين. علاوة على الحالات التي وثقها في تقريره (عديمو الجنسية في البحرين)، والذي صدر في سبتمبر/أيلول 2014، واصل مركز البحرين لحقوق الإنسان في توثيق حالات إسقاط المواطنة.
مؤخرا، في 11 يونيو/حزيران 2015، أمرت المحكمة الجنائية العليا الأولى في البحرين بتجريد 56 شخصا من جنسيتهم ودفع غرامات مالية تتراوح بين 500 دينار بحريني (1,330 دولار أمريكي) و 10,500 دينار بحريني (28,000 دولار أمريكي). وحوكم المتهمون بموجب قانون الإرهاب لسنة 2006، واتهموا بالتورط في أنشطة “إرهابية” في البحرين. وبشكل أكثر تحديدا، وجهت إليهم تهمة بزعم إنشاء جماعة إرهابية تسمى “سرايا الأشتر” وأنها تقوم بتهريب أسلحة نارية إلى البحرين وإدارة معسكرات تدريب في البلاد بهدف التخطيط لهجوم إرهابي، وذلك ما بين عامي 2012 و 2013. وقد تمت تبرئة أربعة من المتهمين.
والجدير بالذكر أنه في وقت النشاط الإجرامي المزعوم، كان تسعة من المتهمين المحكومين من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة عاما، بينهم صَبيّان في الخامسة عشرة من العمر. ولدى مركز البحرين لحقوق الإنسان تقارير موثقة حول ماتعرض له المعتقلون من هذه الفئة العمرية من الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب.
على سبيل المثال، صادق جعفر العصفور ( الذي كان يبلغ السابعة عشرة من العمر في وقت الاعتقال في يناير/كانون الثاني 2014) تعرض للاختفاء القسري لأكثر من 15 يوما بعد أن استهدفته الشرطة بالرصاص الحي أثناء إلقاء القبض عليه، فأصيب في الكلى والمعدة والظهر، وتم نقله إلى السجن حيث أفاد بعدم توفير الرعاية الطبية المناسبة هناك. حُكم على العصفور بعقوبة سجن لمدة 15 سنة مع إسقاط المواطنة. أحمد عبد الله العرب (16 عاما) يعتبر حالة أخرى من حالات الاختفاء القسري في 2015. ونقلت والدته بأنها رأت آثار التعذيب على وجهه عندما سمح لها بزيارته. أحمد محكوم بالسجن لمدة 10 سنوات مع إسقاط المواطنة.
من بين المتهمين البالغين في هذه القضية، رضا الغسرة الذي نقل عن تعرضه للضرب اثناء اعتقاله في أبريل/نيسان 2014، وذكرت عائلته بأنهم شاهدوا الكدمات والخدوش والجروح في صدره عندما سمح لهم بزيارته في مايو/أيار 2014. كما كان يعاني من ألم شديد في أذنه جراء التعذيب. رضا الغسرة محكوم بالسجن مدى الحياة مع غرامة مالية قدرها 10,500 دينار بحريني (28,000 دولار أمريكي).
أما علي هارون فقد تم تسليمه عُنوةً من مركز احتجاز المهاجرين في بانكوك بتايلاند إلى السلطات في البحرين، وقد ورد بأنه تعرض للتعذيب والضرب وأجبر على الوقوف في أوضاع مؤلمة، وحُرم من الطعام والماء والنوم حتى اضطر أن يوقّع مكرهاً على اعتراف بضلوعه في الانفجار الذي وقع في بني جمرة. وقد حُكم على هارون بالسجن لمدة 10 أعوام مع إسقاط المواطنة.
أحمد محمد العرب اعتقل وتعرض للاختفاء القسري لمدة 21 يوما، تعرض خلالها للتعذيب إلى حد المعاناة من إصابات طويلة الأمد. ثم حُكم عليه بالسجن مدى الحياة مع إسقاط المواطنة.
وكما هو في العديد من الحالات الأخرى، فإن المحكمة التي حكمت على هؤلاء المتهمين قد أخفقت في التحقيق في مزاعم تعرضهم للتعذيب. ويعتقد مركز البحرين لحقوق الإنسان أن لكل شخص الحق الإنساني الأساسي لضمان محاكمة عادلة.
إن ممارسات التعذيب وعقوبات السجن الطويلة الأمد بناء على اعترافات منتزعة بالإكراه من الأطفال هي انتهاك لـ اتفاقية حقوق الطفل التي تعد البحرين إحدى الدول الموقعة عليها. وتنص المادة 37-باء من اتفاقية حقوق الطفل على أنه “لا يجوز حرمان الطفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية. يجب أن يكون اعتقال أو احتجاز أو سجن الطفل وفقا للقانون ولا يجوز ذلك إلا كإجراء أخير ولأقصر فترة زمنية ممكنة”. لقد وثق مركز البحرين لحقوق الإنسان في عام 2014 أكثر من 400 حالة من حالات الأطفال المحتجزين حاليا، والمحرومين من الحقوق الأساسية مثل الحق في الصحة والحق في نمو الطفل، والحق في الحماية من جميع أشكال العنف الجسدي أو العقلي، والحق في التمتع بمستوى معيشي لائق، والحق في التعليم و الحق في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية والمهينة أو العقاب – وهذه كلها منصوص عليها في المواد 3، 6، 19، 27، 28 و 37 من اتفاقية حق الطفل. الحالات المذكورة آنفا تبين مدى المعاملة القاسية التي تعرض لها العديد من الأطفال المحكوم عليهم مؤخرا، وتعطي نموذجا من نماذج محاكمة الأطفال في البحرين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الإسقاط التعسفي للجنسية يشكل انتهاكا للمادة 8 من اتفاقية حق الطفل، التي تنص بأن: “تتعهد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته واسمه والعلاقات الأسرية على النحو الذي يقره القانون دون تدخل غير شرعي”.
علاوة على ذلك، فإن غالبية المدانين سيصبحون في عداد الأشخاص عديمي الجنسية، الأمر الذي يتعارض مع أحكام المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي ينص على أنه “لا يجوز حرمان أحد تعسفاً من جنسيته”.
يتضمن قانون الجنسية البحرينية لعام 1963 حكما بإسقاط المواطنة عن أي شخص يشارك في “الإضرار بمصالح المملكة أو يتصرف بطريقة تتناقض مع واجب الولاء تجاهها”. ومع ذلك فإن “أحكام قانون الجنسية هذه واستخدامها كأداة قانونية لاستهداف المعارضة والمحتجين ضد النظام هو أمر ينافي الأحكام الدولية لحقوق الإنسان، ويدل على طبيعة الإصلاح الذي تدعي البحرين تطبيقه” – كما عبر بذلك سيد يوسف المحافظة، نائب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان. ومنذ بداية الانتفاضة في عام 2011، أقدمت السلطات البحرينية على إسقاط الجنسية عن عدة أشخاص شاركوا في الاحتجاجات أو يزعم بكونهم من داعمي مختلف التحركات المؤيدة للديمقراطية. وبإضافة الأحكام الأخيرة، بلغ إجمالي عدد الأشخاص المسقطة جنسيتهم 128 مواطنا خلال عام 2015 فقط.
بناء على ما سبق، يدعو مركز البحرين لحقوق الإنسان الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والامم المتحدة وجميع الحلفاء المقربين الآخرين والمؤسسات الدولية المعنية إلى ممارسة ضغط حقيقي على حكومة البحرين لـ :
- الإمتثال بالتزاماتها بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ وتعديل قانون المواطنة ليتماشى مع مجموعة الأحكام الدولية لحقوق الإنسان؛ و
- استعادة الجنسية لجميع المواطنين الذين جُردوا منها ظلماً بدون اللجوء إلى الإجراءات الواجب اتخاذها في القانون؛ و
- وقف الأحكام الجائرة وسياسة إلغاء المواطنة المستخدمة كعقوبة ضد المنتقدين والمعارضين الذين يمارسون حقهم في حرية الرأي والتعبير؛ و
- الانضمام إلى، والتقيد باتفاقية الأمم المتحدة لعام 1954 بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية واتفاقية عام 1961 بشأن خفض حالات انعدام الجنسية.