(بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الأحكام القانونية الغامضة الواردة في الاتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون الخليجي تثير القلق. يمكن للدول الأعضاء أن تستخدم هذه الاتفاقية لقمع حرية التعبير وتقويض حقوق المواطنين والمقيمين في الخصوصية. وكانت خمس دول من مجلس التعاون قد انضمت إلى الاتفاقية في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وهي السعودية، والبحرين، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، وعمان. ومازال البرلمان الكويتي يناقش مسألة التصديق على الاتفاقية رغم معارضتها بشدّة من قبل بعض النواب. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه يتعين على الكويت عدم الانضمام إلى الاتفاقية في شكلها الحالي.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “تعطي الاتفاقية الأمنية لحكومات الخليج ذريعة قانونية أخرى للقضاء على المعارضة. ويجب أن يلاحظ مواطنو الخليج والمقيمين فيه أن الحكومات اتفقت على أن يكون تبادل البيانات الخاصة خاضعًا لرغبة وزير الداخلية”.
ومن ضمن عشرين حُكمًا قانونيًا تنص عليهم الاتفاقية، توجد مادة غامضة تنصّ على مواجهة “التدخل في الشؤون الداخلية” لدول مجلس التعاون الأخرى، وقد تُستخدم هذه المادة لتجريم انتقاد دول الخليج أو حكامها. كما تنص مادة أخرى على تبادل المعلومات الشخصية للمواطنين والمقيمين بقرار من مسؤولي وزارة الداخلية.
تنقسم الاتفاقية إلى عدّة عدة أقسام تتعلق بالتنسيق الأمني، وضبط الحدود، والتعاون في مجال الإنقاذ، والالتزامات المتعلقة بتسليم الأشخاص. وقالت هيومن رايتس ووتش إن بعض الأحكام تسمح للسلطات بانتهاك حرية التعبير. وعلى سبيل المثال، تنص المادة 3 على أن “تعمل كلّ دولة طرف على اتخاذ الإجراءات القانونية فيما يُعدّ جريمة، وفقًا للتشريعات النافذة لديها، عند تدخل مواطنيها أو المقيمين بها في الشؤون الداخلية لأي من الدول الأخرى”.
ولا تقدّم الاتفاقية تعريفًا للسلوك الذي يُمكن اعتباره “تدخلا في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء”. ومنذ 2011، قامت دول الخليج بالتحقيق مع مواطنيها، ومحاكمتهم، بسبب توجيه انتقادات إلى دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى أو حكامها. وعلى سبيل المثال، أيّدت محكمة استئناف كويتية في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2013 حكمًا بالسجن لمدّة عشر سنوات في حق أحد المدونين بسبب تعليقات نشرها على موقع تويتر اعتبرتها المحكمة مسيئة لبعض الأشخاص، بمن فيهم ملوك البحرين والسعودية.
وفي 24 يونيو/حزيران 2013، أدانت محكمة الإرهاب في السعودية سبعة من منتقدي الحكومة، وأصدرت في حقهم أحكامًا بالسجن بتهم تتعلق بتحريض المتظاهرين على الإضرار بالنظام العام بعد نشر تعليقات على موقع فيسبوك، وواجه أربعة منهم تهمة إضافية تتعلق بـ “دعم من يُسمون بثوار البحرين، والدعوة إلى التضامن معهم، وتحدي قوات درع الجزيرة المتمركزة هناك”.
وتدعو الاتفاقية دول مجلس التعاون إلى “تسليم الأشخاص الموجودين في إقليمها، الموجه إليهم اتهام، أو المحكوم عليهم من السلطات المختصة لدى أي منها”. وكانت دول مجلس التعاون قد قامت كلها بمحاكمة أشخاص فقط بسبب ممارسة حقوقهم في حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، والتجمع السلمي. وقامت هذه الاتفاقية بتوسيع نطاق عمل هذه البلدان، وأضافت إليه البلدان الأعضاء الأخرى.
وعقب اعتماد الاتفاقية أثناء قمة مجلس التعاون الخليجي في المنامة في ديسمبر/كانون الأول 2012، أكد عبد اللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون، أن الاتفاقية ترمي إلى مواجهة المعارضة الداخلية، وقال: “ستُمكن الاتفاقية كلّ دولة من دول مجلس التعاون الخليجي من اتخاذ إجراءات قانونية، اعتمادًا على تشريعاتها الخاصة، ضدّ المواطنين أو المقيمين أو المجموعات المنظمة التي لها ارتباط بالجريمة، والإرهاب، والفتنة…”.
وتنصّ مواد أخرى في الاتفاقية على أن تتبادل الحكومات المعلومات المتعلقة بالمواطنين والمقيمين. وعلى سبيل المثال، تنص المادة 4 على أن “تتعاون كلّ دولة طرف بإحاطة الأطراف الأخرى ـ عند الطلب ـ بالمعلومات والبيانات الشخصية عن مواطني الدولة الطالبة أو المقيمين بها، في مجالات اختصاصات وزارات الداخلية”. ولا تنص مواد الاتفاقية على ما إذا كانت الدول ملزمة بإثبات أدلّة تتعلق بنشاط إجرامي، أو توفر قاعدة قانونية يتم بموجبها تبادل المعلومات الشخصية المتعلقة بالمواطنين أو المقيمين. كما لا تنص الاتفاقية على ضرورة القيام بإجراءات قانونية لدى المحاكم، ولا تفرض أي ضمانات هامة لحماية الحق في الخصوصية، وتجنب سوء استخدام السلطة، وهو ما يجعل التنفيذ خاضعًا فقط إلى تقدير وزراء الداخلية في دول مجلس التعاون الخليجي.
تنصّ المادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه “لا يجوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، للتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته”. ويعرّف التعليق العام رقم 16 للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحق في الخصوصية كالتالي: “ينبغي أن لا يكون بمقدور السلطات العامة المختصة أن تطلب من المعلومات المتعلقة بموجب العهد. وعليه، فإن اللجنة توصي بأن تبين الدول في تقاريرها القوانين والأنظمة التي تحكم حالات التدخل المأذون بها في الحياة الخاصة”.
كما أكّد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية التعبير أن المادة 17 تنص على ضرورة أن يكون لكلّ تدخل في خصوصية الأفراد، بما في ذلك إطلاع الحكومة على البيانات الشخصية، غاية مشروعة ينصّ عليها القانون، وتستجيب لمعايير الوضوح والدقة، حتى يستطيع الأشخاص تحديد كيفية تطبيق هذه المادة.
ورغم أن الكويت والبحرين هما البلدان الوحيدان من بلدان مجلس التعاون الخليجي اللذان انضما إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إلا أن أحكام العهد تعتبر ملزمة وهي تعكس أفضل الممارسات الدولية. وقالت هيومن رايتس ووتش إن إلزام دول مجلس التعاون بتبادل المعطيات الشخصية للمواطنين والمقيمين، كما تنص على ذلك الاتفاقية، دون الاستناد إلى قاعدة قانونية، ودون إجراء قانوني يضمن الحق في الخصوصية، ووفقا للتقدير المطلق لوزراء الداخلية، فيه “تدخل تعسفي” من قبل السلطات في الحق في الخصوصية لمواطني الخليج والمقيمين فيه.
تنصّ المادة 21 من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، ودول مجلس التعاون الخليجي طرف فيه، على أنه “لا يجوز تعريض أي شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني للتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته”. كما تضمن المادة 32 الحق في حرية الرأي والتعبير، ونشر المعلومات إلى الغير بجميع الطرق.
وتنص أحكام الاتفاقية على “تقديم الدعم والمساندة لأي دولة طرف… لمواجهة الاضطرابات الأمنية والكوارث” (المادة 10). ويبدو أن هذه المادة تُشرّع للتدخل، مثل العملية التي نفذتها قوات درع الجزيرة سنة 2011 في البحرين، عندما عززت قوات دول مجلس التعاون القوات البحرينية في قمع الاحتجاجات السلمية المطالبة بالإصلاح.
ووفق نصّ المصادقة، تدخل الاتفاقية حيّز النفاذ في 27 ديسمبر/كانون الأول 2013، أي بعد 30 يومًا من مصادقة الدولة الرابعة، وهي البحرين. وبحلول 14 يناير/كانون الثاني 2014، أصبح عدد الدول الخليجية التي انضمت إلى الاتفاقية خمس دول من أصل ستة. وفي 3 أبريل/نيسان، رفضت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الكويتي الاتفاقية بعد أن اعتبرها ثلاثة من أصل خمسة أعضاء في اللجنة أنها تنتهك الدستور الكويتي. ولكن السلطات الكويتية بصدد دفع البرلمان إلى الموافقة على الاتفاقية في وقت لاحق هذه السنة.
قال جو ستورك: “يتعين على الحكومة الكويتية أن تعي المخاوف التي يبديها أعضاء البرلمان،وأن تكف عن جهودها الرامية إلى الانضمام إلى الاتفاقية الأمنية في صيغتها الحالية، وأن تؤكد على أن تضمن الاتفاقيات المستقبلية لدول مجلس التعاون الحقوق الدستورية والإنسانية لسكان الخليج”.