البحرين: محكمة التمييز تؤيد الاحكام الصادرة ضد قادة المعارضة و نشطاء

7 يناير 2013

صدر يوم الاثنين 7/1/2013 حكم محكمة التمييز البحرينية في قضية قادة المعارضة و نشطاء حقوق الانسان. وقد ايدت محكمة التمييز في حكمها النهائي وغير القابل للطعن الاحكام الصادرة من المحاكم العسكرية والتي ادانت القادة والنشطاء وحكمت على سبعة منهم بالسجن المؤبد و تراوحت احكام السجن ضد البقية ما بين 15 عاما و عامين.

و قد سبق هذا الحكم الاخير محاكمة مكوكية أمام اربع محاكم؛ إثنتان عسكريتان، وإثنتان مدنيتان.

7 يناير 2013

صدر يوم الاثنين 7/1/2013 حكم محكمة التمييز البحرينية في قضية قادة المعارضة و نشطاء حقوق الانسان. وقد ايدت محكمة التمييز في حكمها النهائي وغير القابل للطعن الاحكام الصادرة من المحاكم العسكرية والتي ادانت القادة والنشطاء وحكمت على سبعة منهم بالسجن المؤبد و تراوحت احكام السجن ضد البقية ما بين 15 عاما و عامين.

و قد سبق هذا الحكم الاخير محاكمة مكوكية أمام اربع محاكم؛ إثنتان عسكريتان، وإثنتان مدنيتان.

بدأت المحاكمة امام محكمة عسكرية خاصة في ابريل 2011، و صدر الحكم بعد شهرين، في يونية 2011 حيث أدين الجميع بشتى ما نسب لهم من تهم شملت إنشاء تنظيم بغرض تعطيل الدستور بوسائل ارهابية وقلب نظام الحكم بالقوة والتخابر مع دولة اجنبية لغرض قلب نظام الحكم. وقد أدينوا جميعا وحكم على غالبيتهم بالسجن المؤبد وتراوحت احكام البعض ما بين 15 و عامين.

وقد بني الحكم العسكري بإدانتهم على ما سمي بــ “أدلة الثبوت” المقدمة من النيابة العسكرية وهي:

1. “إعترافات” القادة و النشطاء التي انتزعت تحت التعذيب. وتجد الاشارة أن الفقرة 1230 من تقرير لجنة تقصي الحقائق وضعت القادة والنشطاء من حيث ثبوت انتزاع الاعترافات منهم بالاكراه و تحت التعذيب في نفس مرتبة الطاقم الطبي.
وكانت النيابة العامة قد تنازلت عن الاعترافات المنتزعة من الاطباء وفقا للثابت في بيانها الموزع بقاعة المحكمة يوم محاكمة الاطباء بتاريخ 23/10/2011. ولكن في المقابل تمسكت النيابة العامة في محاكمة القادة والنشطاء بإعترافاتهم المنتزعة تحت التعذيب كدليل إثبات ضدهم. وترتب على ذلك التمييز غير المبرر من جانب النيابة العامة تجاه متهمين في ذات الظروف، ان حُكم ببراءة العديد من الاطباء وخففت مدد السجن بشكل كبير بحق الآخرين، على عكس الوضع بالنسبة إلى القادة والنشطاء الذين تأيدت احكام المحاكم العسكرية الصادرة ضدهم بعقوباتها الشديدة وغالبيتها السجن المؤبد.
2. شهادات ضباط جهاز الامن الوطني ممن تولوا الاشراف على التحريات و تنفيذ اوامر القبض و التحقيق وهم الذين تورطوا في تعذيب القادة و النشطاء بحسب ما اكده الأخيرون امام المحكمة.
3. التقارير الامنية المعدة من قبل أعضاء جهاز الامن الوطني من المتورطين في تعذيب القادة و النشطاء وغيرهم.
4. تسجيلات منسوبة الى القادة و النشطاء لم تتأيد بأي دليل فني و لم تعرض بالجلسات.
5. تفريغات لخطب منسوبة للرموز و النشطاء جرى تحريف مضمونها بالحذف والاضافة حيث حذف منها كل ما ينطوي على التمسك بالسلمية في المطالبة بالحقوق.
6. تجاهل كل الدفاع المقدم بما في ذلك شهود النفي بسطر واحد لا يزيد على قول:
“هذا و قد خلص دفاع المتهمين جميعاً الى إيراد جملة دفوع موضوعية مفادها عدم توافر العناصر القانونية للإتهامات التي نسبت الى المتهمين و عدم توافر الأدلة على قيامها و نسبتها الى كل منهم بينما دفع بعضهم بشيوع التهمة و عدم تصور وقوعها…… إن المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهمين في مناحي دفاعهم الموضوعية و تقصيها في كل جزئية منها للرد عليها رداً صريحاً و إنما يكفي أن يكون الرد مستفاداً من أدلة الثبوت التي عولت عليها المحكمة في حكمها و من ثم فإن المحكمة في حل من الإلتفات إليها.”

و قد تأيد ذلك الحكم بحذافيره من قبل المحكمة العسكرية الاستئنافية بعدها بثلاثة اشهر أي في شهر سبتمبر2011.

وغني عن البيان ان تقرير لجنة تقصي الحقائق قد اصدر شهادته في شأن تلك المحاكمات العسكرية معتبرا أنها غير متوافقة مع معايير المحاكمات العادلة (الفقرات 1701 حتى 1720).

لدى عرض القضية على محكمة التمييز للمرة الاولى، اصدرت حكمها في 30/4/2012 حيث قضت بنقض حكم المحاكم العسكرية على اساس ان المحكمة العسكرية لم تستظهر أي لم تبحث مدى توافر اركان الجرائم التي نسبت للقادة والنشطاء و بالتحديد جريمة إنشاء تنظيم ارهابي لغرض الاطاحة بالحكم و جريمة محاولة قلب نظام الحكم بالقوة وبالتخابر مع دولة اجنبية.

وعلى إثر ذلك أحيلت القضية الى محكمة الاستئناف الجنائية. و كنا نأمل ان يتم الإلتزام أمامها بمعايير المحاكمة العادلة ـ و لو بالحد الادنى ـ بما في ذلك إحترام حقوق الدفاع ولكننا شاهدنا العكس.

1. في البداية و ضع القادة والنشطاء في قاعة المحكمة وراء حاجز زجاجي منع إتصالهم بشكل حقيقي بمجريات المحاكمة. و بعد إلحاح من فريق الدفاع، تم الغلب على تلك المشكلة بالسماح لهم بحضور الجلسات على مقاعد المحكمة.
2. لم تستجب المحكمة لطلبات التحقيق من قبل هيئة مستقلة و محايدة فيما تعرض له القادة والنشطاء من تعذيب لإنتزاع إعترافاتهم. حيث اثبت فريق الدفاع امامها عدم صلاحية النيابة للتحقيق بعد ان تمسكت النيابة العامة بما انتزع منهم من إعترافات تحت التعذيب كدليل ثبوت ضدهم.
3. اصرت محكمة الاستئناف على وجه الخصوص على سماع شهود النفي في سرية في غرفة مداولة القضاة وليس في قاعة المحكمة، وعندما تمسك القادة والنشطاء بحقهم في المحاكمة العلنية، قررت محكمة الاستئناف الاستغناء عن سماع شهودهم.
4. بعد اكثر من عشر جلسات حضرها بعض المراقبين و الصحافة وعدد محدود من عائلات القادة والنشطاء، قررت محكمة الاستئناف عقد الجلسات في سرية دونما موجب قانوني. كما اصدرت المحكمة قراراً بحظر النشر في القضية.

وقد بدى و اضحا إن كل تلك القرارات تقف شواهد على وجود رغبة ما للحيلولة أولاً دون التحقيق بشكل جاد فيما تعرض له القادة والنشطاء من تعذيب لانتزاع إعترافاتهم، وثانيا للحيلولة دون تمكينهم من تقديم أدلة ذات قيمة تنفي التهم الموجة إليهم سواء في المحكمة او امام الرأي العام.

و قد سبق للنيابة العامة أن صرحت في بيانها المنشور بتاريخ 30/4/2011، مباشرة بعد صدور حكم محكمة التمييز الاول، أنه: “ونظراً لسابقة صدور حكم بالإدانة من محكمتي أول درجة و المحكمة الإستئنافية مما يعني إتفاق قضاة دائرتين على الإدانة و الإقتناع بها، و أن المرجح عادة هو معاودة القضاء بالادانة مرة أخرى نظراً لعدم حدوث أي تغيير في القضية أو في موضوعها أو أدلتها.”

وهكذا كان. إذ جاءت مجريات المحاكمة أمام محكمة الإستئناف متظافرة لتحقيق ما ورد في بيان النيابة العامة فلم تتح الفرصة للقادة والنشطاء للتحقيق بشكل جدي ومستقل في تعذيبهم و لم تتح الفرصة لتقديم شهودهم لنفي التهم الموجهة لهم. و أنتهت محكمة الاستئناف في 4/9/2012 الى تأييد أحكام المحاكم العسكرية بحذافيرها.

ولعل اكثر ما يُستغرب منه في هذه القضية، ان النيابة العامة إنتظرت إلى ما بعد صدور حكم الادانة، لكي تقوم بإستدعاء القادة والنشطاء للتحقيق فيما ارتكب بحقهم من جرائم التعذيب لإنتزاع الاعترافات التي ادينوا بناءا عليها والتي تمسكت بها النيابة كدليل ثبوت ضدهم. وهو ما يؤكد ان النظام القضائي برمته إجتمع على إنتهاك حقوق القادة والنشطاء في المحاكمة العادلة.

ولو إطلعنا على اسباب حكم محكمة الاستئناف لما وجدنا فيه إضافة او إختلاف جوهري عن الاحكام العسكرية ويكفينا انه جاء فيه في تأييده لتهمة إنشاء التنظيم الارهابي انه إعتبر المظاهرات الشعبية للضغط على الحكومة، عملا ارهابيا.

وتجدر الاشارة الى ان الحكم لم يقل أو حتى يلمح الى أن المظاهرات إقترنت بعنف، بما يعنى انه قصد المظاهرات السلمية. وهنا نتساءل إذا لم يكن الضغط على الحكومة عبر المظاهرات والاعتصامات السلمية فكيف يكون إذا؟ خاصة وان المعارضة ونشطاء حقوق الانسان غير متاح لهم فضاء الاعلام الرسمي فهو مسلط لمحاربتهم و التشهير بهم، كما أننا شهدنا العديد من السوابق حين رفضت السلطة الحاكمة مجرد إستلام العرائض الشعبية، بل دأبت على منع الندوات و المسيرات و مارست سلطة تحكمية مطلقة في السماح لهؤلاء والتضييق بل وحرمان آخرين، بحسب هواها و مصلحتها السياسية.

والحقيقة ، إن القول بأن المشاركة في المظاهرات الشعبية للضغط على السلطة من اجل إصلاح النظام السياسي هو من قبل اعمال الارهاب، هو قول ينطوي على مصادرة لحرية التجمع السلمي وحرية التعبير عن الرأي وحق المشاركة في الحياة السياسية عبر إتخاذ مواقف معلنة من قضايا الشأن العام.

بل إن إستخدام حق التظاهر للضغط على السلطات هو لب العمل السلمي المتحضر. إنه حقا مما يدعوللاستغراب، ان يوصم بالارهاب شخص لم يقم بأكثر من التعبير عن رأيه عبر إصدار بيان يدعو فيه الناس لإختيار النظام السياسي الذي يريدون بالطرق السلمية و عبر الاستفتاء الشعبي مع إستعداد مصدر البيان للركون لإرادة الناس في أي إتجاه توجهت.

والحقيقة ان حكم محكمة الاستئناف الذي أدان القادة و النشطاء شكل في الواقع صك براءة لهم من كل التهم المنسوبة لهم بما فيها تهمة الارهاب طالما لم يثبت بحقهم سوى المشاركة في المظاهرات السلمية و إصدار البيانات التي تدعو للتغيير السياسي بالطرق السلمية. هم إذاً في نهاية المطاف معتقلو رأي بإمتياز.

الآن، وقد صدر الحكم النهائي مؤيدا أحكام المحاكم العسكرية التي ثبت مخالفاتها لاصول المحاكمات العادلة، فإن ذلك يؤكد مجدداً إستمرار الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في البحرين.