الاختفاء القسري له تأثير سلبي مضاعف يَشلّ الضحية المحرومة من حماية القانون

منذ بدء الحراك الشعبي في فبراير من عام 2011 قامت السلطات في البحرين بقمع الأصوات المعارضة عبر اعتقالهم وتعريض أغلبهم لفترات من الاختفاء القسري امتدت بين أيام إلى أسابيع وصولاً إلى أشهر في بعض الحالات.

أفادت أسماء درويش، مسؤولة المناصرة في المركز بأنها ما زلت تستذكر ليلة من ليالي أبريل 2011، فقد كانت مدن وقرى البحرين تخضع لقانون السلامة الوطنية حينها، بعد أن قمعت قوات الأمن بمعية قوات درع الجزيرة حراك دوّار اللؤلؤة، ففي تلك الليلة داهمت عناصر الأمن المدنية المقنعة منزلها دون إبراز إذن بالتفتيش واعتقلت أحد إخوتها ليختفي بعدها لأسابيع دون أن يسمح له بالتواصل مع العالم الخارجي أو حتى مع ممثل قانوني. وعندما حاولت الأسرة الاستعلام عن الابن في مختلف مراكز الشرطة وفي الإدارة العامة للمباحث والتحقيقات الجنائية على مدى أسبوع أو أكثر، قام جميعهم بنفي وجوده في عهدتهم، فيما تبين بعد ذلك أنه كان في حوزتهم وتم التحقيق معه بممارسة الضغط وسوء المعاملة حتى وصل إلى التعذيب الجسدي والنفسي ومن دون وجود محامٍ.

ومنذ ذلك الوقت سمحت السلطات للجهات الأمنية المسؤولة عن القبض الجنائي الحق في استخدام الإخفاء القسري بموجب قانون “حماية المجتمع من الاعمال الإرهابية” الصادر بمرسوم رقم (٦٨) لسنة ٢٠٠٦ الذي منح الصلاحيات التامة لجهاز الأمن الوطني احتجاز المتهم لفترة ٢٨ يوم أو أكثر دون إذن من القضاء، في حين يأتي هذا القانون ليخالف في صلبه مرسوم بقانون الإجراءات الجنائية رقم (46) لسنة 2002 المادة (61) التي تنص على أنه “لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانوناً، كما يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا. ويواجه كل من يقبض عليه بأسباب القبض عليه، ويكون له حق الاتصال بمن يرى من ذويه لإبلاغهم بما حدث والاستعانة بمحام”.

وحسب الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي التابع للأمم المتحدة فإنّه يعرّف كالآتي: “الاعتقال، أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون (المادة 2 والديباجة من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري)”.

ويُعَرّف أيضًا الاختفاء القسري بثلاثة عناصر متراكمة وهي:

  1. الحرمان من الحرية ضد إرادة الشخص المعني؛
  2. ضلوع مسؤولين حكوميين، على الأقل بالقبول الضمني؛
  3. رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده.

في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، ما زال هناك قلق إزاء القوانين والتشريعات المحلية الصادرة عن المشرّع البحريني والتي تخالف المواثيق والمعاهدات الدولية وتتجاهل جميع الشكاوى المقدمة من الضحايا والتي لم تقوم السلطة بالتحقيق فعليًا في أي منها. إن التركيز على قضايا الاختفاء القسري يأتي في سياق المطالبة بالتحقيق ومقاضاة الجناة وتحريك المجتمع الدولي للضغط على الحكومة البحرينية بإنهاء هذه الممارسات بالإضافة إلى ضرورة معاقبة كل من له علاقة بقضايا التعذيب والاختفاء القسري والمحاكمات غير العادلة، فإن عدم المحاسبة يؤدي إلى التمادي في الانتهاكات وتفشي سياسة الإفلات من العقاب.

كما أن للاختفاء القسري تأثير سلبي مضاعف يَشلّ الضحية المحرومة من حماية القانون، التي غالبًا ما تتعرض للتعذيب وتبقى في خوف دائم على حياتها وحتى وإن تم إطلاق سراحها في نهاية المطاف، تبقى الجراح البدنية والنفسية تعيش فيها، وعلى إثرها تم اصدار أحكام جائرة بناء على اعتقالات غير قانونية واعترافات أخذت تحت وطأة التعذيب بينها أحكام إعدام تم تنفيذ بعضها وأحكام بالسجن تكون في غالبها مشددة ومغلظة تصل للمؤبد وأحكام بإسقاط الجنسية.

في السياق، قال أنطونيو غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة: “يأتي الإفلات من العقاب ليضاعف قسوة المعاناة ولوعة الألم. ومن حق الأسر والمجتمعات، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، معرفة الحقيقة حول ما حدث. وأدعو الدول الأعضاء إلى الوفاء بهذه المسؤولية”.

إن البحرين لم تصادق حتى الآن على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، على الرغم من أن الانضمام للاتفاقية كانت من ضمن التوصيات الـ ١٧٥ للاستعراض الدوري الشامل للبحرين لسنة ٢٠١٧، ومن هنا تأتي ضرورة حثّنا حكومة البحرين على:

  • الانضمام للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.
  • الالتزام بتقديم تقارير الى هيئة الخبراء المستقلين التي ترصد تنفيذ الدول الأطراف للاتفاقية.
  • اعتبار الاختفاء القسري جريمة بمقتضى القانون الوطني، والمعاقبة عليها بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار مدى جسامتها.
  • إعادة محاكمة جميع من تعرّض للاختفاء القسري وعدم اعتماد الاعترافات التي انتزعت منهم خلال فترة التحقيق.
  • ضمان حصول الناجين والأشخاص الذين فقدوا أحباءهم الحق في جبر الضرر، ويشمل ذلك: التعويض، وإعادة التأهيل، ورد الاعتبار، وضمان ألا تقع حوادث الاختفاء مرة أخرى.