كانت صحيفة “الوسط” مشروعاً صحافياً وطنياً. اتخذت الوطنية والموضوعية شعاراً. ونقلت نبض الشارع وقضايا الناس. صحيفة “الوسط” منذ تأسيسها عام 2002 انتهجت مساراً مهنياً داعي إلى الحوار الوطني تبلور في فترة الاحتجاجات منذ عام 2011 إلى تاريخ إغلاقها من قبل السلطات عام 2017.
بالنظرة إلى المشهد الإعلامي الحالي في البحرني نجد أنه إعلام بطابع وصوت واحد هو صوت السلطات البحرينية ولا يوجد أي ترخيص لوسائل إعلامية مستقلة أو معارضة. فقد عمدت السلطات إلى اسكات الإعلام المحلي المستقل وبدأت بالتضييق على الإعلام الوافد منذ بداية الاحتجاجات إلى اليوم.
صحيفة “الوسط” مرّت بمراحل من القمع الممنهج بالإضافة إلى تعرض صحفيوها للانتهاكات طيلة فترة المطالبات في البحرين وصولاً إلى إقفالها نهائياً. فقد كانت الصحيفة تعتمد المنهج الوسطي والدعوة إلى الحوار في أصعب الظروف التي ممرت فيها البحرين، فخلال إعلان حالة السلامة الوطنية في 16 مارس 2011، واقتحام دوار اللؤلؤة، وهدم النصب، وسيطرة القوات على مستشفى السلمانية، ألقت الصحيفة الضوء على الدعوات الدولية للحوار (الجامعة العربية، بر يطانيا ، تركيا). هذا المنهج المهني الداعي إلى حماية حرية التعبير التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قوبل بقمع، إذ تم إيقاف الصحيفة من قبل السلطات للمرة الأولى عام 2011 وأجبرت على إقالة رئيس تحريرها منصور الجمري. وفرضت عليها تعيين رئيس تحرير جديد من اختيار السلطات. وهذا ما يعتبر تدخلاً واضحاً ترفضه القوانين الدولية وتصنفه انتهاكاً واضحاً لحرية التعبير عن الرأي. وخلال السنوات التي شهدت تظاهرات في البحرين تعرض صحافيو “الوسط” للقمع في الشارع والملاحقة الأمنية. وفي أغسطس/آب 2015 أوقفت السلطات الصحيفة للمرة الثانية من دون الإعلان عن الأسباب.
ومع استمرار القمع السلطات البحرينية في 4 يونيو/حزيران 2017 بتعليق إصدار صحيفة “الوسط” “فوراً ودون أجل مسمى”. تم إبلاغ الصحيفة بقرار تعليق الإصدار شفاهياً في مكالمة أجراها مدير إدارة وسائل الإعلام في وزارة شؤون الإعلام، يوسف محمد إسماعيل. ثم أصدرت وكالة الأنباء الحكومية بياناً ورد فيه أن “الوسط” بثت “ما يثير الفرقة بالمجتمع ويؤثر على علاقات مملكة البحرين بالدول الأخرى”. أشار البيان إلى مقال نُشر في 4 يونيو/حزيران حول انتفاضة الريف في الحسيمة شمالي المغرب، ذكر أن للمتظاهرين مطالب مشروعة.
هذه الإغلاقات من قبل السلطات تعتبر انتهاكاً لحرية الإعلام وحرية التعبير التي حمتها جميع القوانين الدولية. ويعتبر ايضاً مخالفاً للمادة 28 من قانون الصحافة البحريني لعام 2002 التي تنص على أن تُصدر محكمة أمرا إيقاف أو إغلاق أية صحيفة.
وبعد إصدار تقرير بسيوني (اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق برئاسة المحامي الدولي المصري محمود بسيوني) ساهمت صحيفة “الوسط” بإلقاء الضوء من الناحية الإيجابية وحاولت تقديمه بكل مرحلة مقبلة من الأزمة في البلاد. واعتبرته تقريراً متوازناً يرضي جميع الأطراف. وفي نظرة على مقالات الصحيفة نجد أنها تعيد التذكير بالتقرير في سياق الدعوة للحوار والمصالحة الوطنية.
بعد الحديث عن انتهاك الحريات.. مع إغلاق “الوسط” خسر أكثر من 160 مواطن وظيفته بشكل تعسفي وخسرت أكثر من 160 عائلة معيلها.