البحرين: عشر سنوات من القمع وتجاهل المجتمع الدولي

خلفية

في أعقاب الانتفاضات الشعبية في تونس ومصر، بدأت الاحتجاجات في البحرين في 14 فبراير 201، وكان هذا التاريخ رمزيًا، حيث صادف الذكرى العاشرة للاستفتاء الذي وافق على ميثاق العمل الوطني، والذي حدّد الالتزامات بالإصلاحات الديمقراطية من قبل الأسرة الحاكمة. 

كانت التظاهرات سلمية لتحدّي القمع السياسي وفشل الحكومة في تحقيق التحول الديمقراطي الموعود وتحقيق حقوق المشاركة المتساوية لجميع المواطنين دون تمييز، ولكن منذ البداية، قامت شرطة مكافحة الشغب باستخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والذخيرة الحية ضد المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في 14 فبراير، مما تسبب في إصابات عديدة، ومقتل المواطن علي عبد الهادي صالح جعفر مشيمع، الذي كان أول قتيل في الانتفاضة البحرينية. 

وفي 15 فبراير، قتلت الشرطة المواطن فاضل المتروك عندما أطلقت النار على موكب دفن للمتظاهر الذي قتل في اليوم السابق، وهنا اكتسبت المظاهرات زخماً بعد أن قتلت الشرطة البحرينية إثنين من المتظاهرين، وبحلول مساء يوم 16 فبراير، سار عشرات الآلاف من الشباب البحريني إلى دوار اللؤلؤة في العاصمة المنامة، ونصبوا خيامًا احتجاجًا،و هدّد هذا التصعيد الحكومة بشكل مباشر والتي ردّت بوحشية، حيث اقتحمت القوات الأمنية مركز الاحتجاجات في دوّار اللؤلؤة في منتصف الليل وفتحت النار على المتظاهرين.

في 14 مارس، و بعد شهر من الاحتجاجات، قام مجلس التعاون الخليجي بإرسال قوة درع شبه الجزيرة للمساعدة في استعادة الاستقرار في البحرين، و لقد وفّرت الدعم الأساسي بينما قامت قوة دفاع البحرين بملاحقة واعتقال آلاف الأشخاص في جميع أنحاء البلاد. لقد تم إعلان حالة الطوارئ الوطنية في 15 مارس، والتي استمرت حتى 1 يونيو 2011، تلتها حملة منظمة لقمع الاحتجاجات حيث لاحقت الحكومة البحرينية بلا هوادة جميع أشكال المعارضة.

في مايو 2011،  قام الملك حمد بن عيسى آل خليفة بدعوة جميع الأطراف لإجراء محادثات على إصلاحات لإنهاء الاضطرابات، و بدأت المحادثات في يوليو 2011 ، حيث كان هناك ما يقارب 300 مشارك، 35 منهم فقط من المعارضة، و في حين أثبتت الحكومة مرارًا وتكرارًا عدم جدية إجراء إصلاحات ذات مغزى، مما خلق أزمة ثقة بين المعارضة والمجتمع المدني وبين الحكومة ووعودها بالتغيير.

في 29 يونيو 2011 ، أنشأ الملك حمد اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (BICI) للتحقيق في الحوادث التي وقعت في فبراير ومارس 2011 وعواقبها، وفي 23 نوفمبر 2011، خلص تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق إلى أن السلطات استخدمت التعذيب والقوة المفرطة خلال حملتها على المتظاهرين، وأشار التقرير إلى سياسة الإفلات من العقاب بين الأجهزة الأمنية العاملة أثناء حالة الطوارئ، وإتّهم مسؤولين لم يكشف عن أسمائهم بخرق القوانين المصمّمة لحماية حقوق الإنسان. وخلص التقرير إلى عدة توصيات، من بينها إصلاحات قانونية ومؤسسية، يتعين على السلطات البحرينية تنفيذها، وهدفت هذه التوصيات إلى محاسبة المسؤولين الحكوميين على التعذيب وسوء المعاملة والقتل غير القانوني أثناء الانتفاضة والتصدّي لبعض انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة.

في الأشهر والسنوات التالية، أدخلت الحكومة البحرينية العديد من الإصلاحات القانونية والمؤسسية لتنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، ومع ذلك، لم يتغير شيء بشكل جذري، وقد ثبت أن العديد من هذه الإجراءات غير فعّالة. فقد استمرت السلطات في فرض قيود مشددة على الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي وسجن المنتقدين السلميين، و حكم القضاء البحريني على سجناء سياسيين بالإعدام أو بالسجن لمدة طويلة إثر محاكمات جائرة استخدمت فيها الاعترافات المنتزعة بالإكراه كدليل، بينما أخفق القضاء في محاسبة كبار المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مثل تعذيب المعتقلين حتى الموت.

 

عشر سنوات من القمع

في بداية الاحتجاجات، ركزت السلطات البحرينية على إنهاء الحراك السلمي وقمع التظاهرات، ولجأت إلى القوة وردّت بوحشية خوفًا من فقدانها السيطرة، واستخدمت أساليب قمعية مختلفة. بعد أن تمت السيطرة على الاحتجاجات، و بينما كانت البحرين تحاول إقناع العالم بأنها تقوم بإصلاحات، قامت بملاحقة المعارضين بشكل ممنهج وشامل.

خلال حالة الطوارئ الوطنية (15 مارس – 1 يونيو 2011)، شهدت البلاد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان دون أي مسائلة، و إلى جانب وحشية الشرطة في قمع التظاهرة حيث قتل أكثر من 20 شخصاً بحلول نهاية حالة الطوارئ، بدأت السلطات حملة ترهيب الناس لإسكاتهم، فقد بدأت في احتجاز الأطباء بسبب علاج المتظاهرين المصابين والمحامين لتمثيل المحتجزين، ومحاكمة المعارضين المدنيين في المحاكم العسكرية، وحظر النقابات العمالية، واعتقال قادتهم، و بحلول أبريل 2011، تمت محاكمة 405 مدنيين أمام المحاكم العسكرية بشأن مشاركتهم في الانتفاضة.

ولم تعف السلطات شخصيات بارزة من الاضطهاد، بما في ذلك ما يسمى “مجموعة البحرين ثلاثة عشر”، وهم مجموعة من ثلاثة عشر معارضًا بارزًا، بما في ذلك نشطاء وشخصيات معارضة ومدافعين عن حقوق الإنسان. تضم المجموعة المدافع البارز عن حقوق الإنسان عبد الهادي الخواجة، الأكاديمي والناشط عبد الجليل السنكيس، و قادة المعارضة عبد الوهاب حسين وحسن مشيمع وغيرهم. حكم على سبعة منهم بالسجن المؤبد وحكم على الآخرين بالسجن لمدد تتراوح بين 5 و 15 عاماً بتهم واهية، تضمنت “نشر أخبار وشائعات كاذبة و مغرضة”، و “تحريض” الناس على التظاهر، والترويج لإسقاط النظام الملكي.

كما اعتقلت السلطات أحد مؤسسي صحيفة الوسط البحرينية كريم فخراوي، الذي توفي بعد ذلك في السجن بسبب التعذيب. تم فصل المئات من العمال، ومعظمهم من الشيعة، من وظائف القطاعين العام والخاص بسبب “التغيّب” خلال المظاهرات، وكذلك، تم فصل مئات الطلاب من مؤسساتهم التعليمية، أو تم إلغاء منحهم الدراسية لمشاركتهم في الاحتجاجات.

لقد قامت السلطات البحرينية باستخدام نمطاً من الترهيب وسوء المعاملة حيث وردت عشرات التقارير عن التعذيب وسوء المعاملة والتهديدات، لا سيما في حجز قوات الأمن. اختتمت لجنة تقصي الحقائق أن هناك “ممارسة منهجية لسوء المعاملة الجسدية والنفسية، والتي وصلت في كثير من الحالات إلى حد التعذيب”، وأن المعاملة التي وصفها الناجون “تدل على ممارسة متعمّدة لسوء المعاملة”. إلى جانب الاعتقالات، اعتمدت السلطات تكتيكات مختلفة، مثل الاستدعاء للاستجواب، وحظر السفر، ومداهمات المنازل، والفصل من العمل والدراسة، والتهديد بالسجن أو التعذيب، والتهديدات والانتقام من أفراد الأسرة، وحملات التشهير، وسحب الجنسية والترحيل، و تم استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحفيين والنشطاء السياسيين وشخصيات المعارضة ورجال الدين الشيعة بشكل خاص.

من الجدير بالذكر أن أوضاع حقوق الإنسان في البحرين بدأت في التدهور بشكل كبير خلال النصف الثاني من عام 2010، وبحلول منتصف أغسطس من ذلك العام، قامت السلطات الأمنية باعتقال ما يقدر بنحو مائتين وخمسين شخصًا بينهم منتقدون سلميون، وأغلقت مواقع إلكترونية ومطبوعات للجمعيات السياسية المعارضة. كانت انتفاضة 2011 رداً على عقود من السياسات التمييزية وقمع المعارضين، وبينما كان البحرينيون ينظرون إلى الربيع العربي على أنه فرصة للإصلاح الديمقراطي والحصول على حقوقهم المشروعة، كثّفت السلطات من قمعها للحفاظ على الوضع الراهن.

أدّت الحملة القمعية إلى فقدان المظاهرات زخمها الأولي، وعندها فقط لجأت السلطة إلى نهج أكثر مساومة من خلال إنشاء اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق كما جاءت أيضًا نتيجة ضغوط دولية كبيرة. وإستجابةً لتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، أنشأت الحكومة البحرينية العديد من هيئات حقوق الإنسان، مثل وحدة التحقيق الخاصة (SIU) ضمن النيابة العامة لمحاسبة المسؤولين الحكوميين عن جرائم التعذيب وسوء المعاملة، ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين ( PDRC) لمراقبة أماكن الاحتجاز. وقامت الحكومة بتعديل المادتين 208 و 232 من قانون العقوبات بشأن عقوبات التعذيب وسوء المعاملة التي يرتكبها مسؤولون حكوميون، وتم تجريد جهاز الأمن الوطني (NSA) من صلاحيات إنفاذ القانون بموجب المرسوم الملكي رقم 115 لسنة 2011، و أصدرت الحكومة مدوّنة سلوك لضباط الشرطة في 2012 وإصلاحات أخرى. بدت هذه القرارات واعدة ورحّب بها العديد من البحرينيين والمجتمع الدولي.

لقد حرصت الحكومة البحرينية على أن تثبت للمجتمع الدولي التزامها بتنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، لقد كانت خطوة إلى الأمام، لكنها فشلت في تحقيق نتائج ملموسة في تحسين حالة حقوق الإنسان، فقد بدا أن الحكومة ليس لديها نية حقيقية للإصلاح. على سبيل المثال، فشلت SIU في تحديد مسؤولية الدولة عن الانتهاكات المنهجية التي حدثت أثناء وبعد أحداث فبراير ومارس 2011، كما و فشلت في محاكمة كبار المسؤولين من ذوي الرتب وكان معدّل الإحالات إلى المحاكم الجنائية منخفضًا مقارنة بإجمالي عدد الشكاوى الواردة. كما فشلت مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين في تحسين أماكن الاحتجاز بشكل هادف ومنع إساءة معاملة السجناء، لا سيما السجناء السياسيين. وعلى الرغم من تبنّي مدونة سلوك لضباط الشرطة، إلا أنهم ما زالوا يمارسون الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والاستخدام المفرط للقوة، وفقًا للعديد من تقارير حقوق الإنسان المحلية والدولية.

كان من المفترض أن يؤدي تنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق إلى معالجة انتهاكات حقوق الإنسان و الإساءة المنهجية، ومع ذلك، استمرت القيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع، ولا تزال سياسة عدم تسامح الحكومة تجاه المعارضة سارية، ففي عام 2013،  قامت الحكومة بتعديل قانون 2006 حول “حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية”، وقد استخدمت الحكومة بالفعل القانون لقمع المعارضة بسبب التعريف الفضفاض والغامض للإرهاب، وجاءت التعديلات لتشديد العقوبات، وتمكين القوى الأمنية بشكل أكبر، وتجريد أي شخص من الجنسية لارتكابه “عمل إرهابي”، في حين حذرت المنظمات الدولية من هذه التعديلات “لأنها ستؤدي إلى مزيد من الانتهاكات”.

إبتداءً من عام 2016، صعّدت الحكومة حملتها ضد المعارضة، حين أمرت محكمة بحرينية بحلّ جمعية الوفاق، وهي جمعية المعارضة الرئيسية، و أمرت بإغلاق مكاتبها في جميع أنحاء البلاد في 14 يونيو 2016، وأثار هذا القرار إدانة محلية ودولية. أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها وحثّت البحرين على إعادة النظر في قرارها. 

شغلت جمعية الوفاق 18 مقعدًا من أصل 40 مقعدًا برلمانيًا في انتخابات 2010 لكنها قاطعت لاحقًا انتخابات 2014، و في العام التالي، وفي 31 مايو 2017 بالتحديد قامت السلطات بحلّ آخر حزب سياسي معارض، جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، متهمة إياها بـ “الدعوة إلى العنف ودعم الإرهاب والتحريض على ارتكاب الجرائم”. وقد وصفت منظمة العفو الدولية هذه المزاعم بأنها “ عبثية ولا أساس لها من الصحة”، و كانت هذه القرارات نهاية سنوات من المضايقات لأحزاب المعارضة.

في يناير 2017، شرعت الحكومة البحرينية بإعدام عباس السميع وعلي السنكيس وسامي مشيمع رمياً بالرصاص بتهمة قتل ضابط شرطة، وقد أدانت أغنيس كالامارد، مقرّرة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القانون والعديد من المنظمات الدولية هذا الأمر لافتقار محاكماتهم إلى الإجراءات القانونية الواجبة، وشابت إدانتهم مزاعم التعذيب، و لقد وصف نشطاء حقوق الإنسان المحاكمات بأنها “عار مطلق”. ومع ذلك، استمرت الحكومة في تنفيذ أحكام الإعدام، منهية بذلك تجميدًا دام سبع سنوات على عقوبة الإعدام. 

وفي الشهر نفسه، تراجعت الحكومة عن قرارها تجريد جهاز الأمن الوطني من سلطات إنفاذ القانون، حيث أعاد جهاز الأمن الوطني سلطاته في التوقيف والتحقيق، ولقد تورط جهاز الأمن الوطني بشدة في انتهاكات حقوق الإنسان أثناء انتفاضة البحرين عام 2011، وكان تجريده من سلطات الاعتقال توصية من اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق. و صرّح جو ستورك أن “إعادة سلطات الاعتقال إلى جهاز مخابرات أرهب العائلات وعذب المعتقلين هو مسمار آخر في نعش عملية الإصلاح في البحرين بعد عام 2011، لن يكون المحتجزون بأمان في حجز جهاز الأمن الوطني وآليات الرقابة في البحرين لا تضمن الحماية”.

حكم على الشيخ عيسى قاسم، وهو من أبرز رجال الدين الشيعة في البلاد، بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ، وسُحبت جنسيته بزعم “غسل الأموال وجمع الأموال بشكل غير قانوني”، ونفّذ أنصاره اعتصامًا سلميًا حول منزله في مدينة الدراز، حيث قامت القوات الأمنية بتفريقهم باستخدام القوة المفرطة في 23 مايو 2017، وأسفرت المداهمة عن مقتل خمسة أشخاص واعتقال 286 شخصًا، وأدين العديد منهم فيما بعد بتهم الإرهاب. هذا القمع المنهجي للحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات قوّض آفاق الحل السياسي للاضطرابات الداخلية المستمرة في البحرين.

وفي عام 2017 بدأت المحاكمة الثانية للشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، وتمت مقاضاته بتهمة تشارك المعلومات الاستخبارية مع قطر، وفي 21 يونيو / حزيران 2018، تمت تبرئته، ولكن بعد استئناف النيابة الحكم، ألغيت تبرئته وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. قالت مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية: “ إن هذا الحكم يعد استهزاء بالعدالة، ويُظهر جهود السلطات البحرينية المستمرة وغير القانونية لإسكات أي شكل من أشكال المعارضة، فالشيخ علي سلمان سجين رأي محتجز لمجرد ممارسته السلمية لحقه في حرية التعبير”. كان الشيخ علي سلمان في السجن وقت محاكمته، حيث كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة أربع سنوات بتهم تتعلق بحرية التعبير، حيث تم اعتقاله في عام 2015.

كان إيقاف صحيفة الوسط في يونيو 2017، ضربة أخرى لآمال الإصلاح الحقيقي في البحرين، حيث كانت الوسط هي الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد، وزعمت وزارة شؤون الإعلام أن الصحيفة انتهكت القانون و “خلقت الفتنة وأضرت بعلاقات البحرين مع الدول الأخرى”، و جاء تعليق الصحيفة بمقال رأي نُشر في 4 يونيو 2014. و بإغلاق صحيفة الوسط، فقدت البحرين الصوت الأخير والوحيد المستقل في وسائل الإعلام الرئيسية، و هنا بعثت الحكومة رسالة واضحة مفادها أنه لا مكان لأصوات المغايرة.

قامت المحاكم البحرينية بتجريد ما لا يقل عن 243 شخصاً من جنسيتهم، بينهم نشطاء حقوقيون، وتركت معظمهم بدون جنسية في 2018، و رحّلت السلطات قسراً ثمانية أشخاص على الأقل بعد تجريدهم من الجنسية البحرينية. 

وصادقت محكمة التمييز البحرينية على حكم بالسجن 5 سنوات ضد نبيل رجب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان ونائب الأمين العام للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، بتهم تتعلق بحرية التعبير. إعتُقل رجب في 12 يونيو / حزيران 2016، حيث أمضى أكثر من عام في الحبس الاحتياطي، وحُكم عليه لاحقًا بالسجن لمدة عامين في يوليو / تموز 2017 بسبب مقالات ومقابلات تلفزيونية عبّر فيها عن آرائه. كان الحكم بالسجن خمس سنوات على صلة بتغريدات تنتقد التعذيب في سجن جو المركزي بالبحرين والعمليات العسكرية بقيادة السعودية في اليمن.

في عام 2019، قامت البحرين بتوسيع حملتها القمعية لتشمل أنشطة وسائل التواصل الاجتماعي، ففي 30 مايو / أيار، أعلنت وزارة الداخلية البحرينية أنها ستقاضي الأشخاص الذين يتابعون “حسابات التحريض” أو الذين يعيدون نشر محتواها، و في آخر 6 يونيو، وافق تويتر مع المجتمع المدني أن مثل هذه التصريحات “تشكّل تهديدًا كبيرًا لحرية التعبير والصحافة”.

في يوليو 2019، أعدمت البحرين علي العرب وأحمد الملالي بعد محاكمة مخزية أخرى، وقد أدينوا وحُكم عليهم بالإعدام في محاكمة جماعية مع 58 شخصًا آخرين، وتم انتزاع اعترافاتهم بالإكراه من خلال التعذيب، وافتقرت محاكمتهم الجماعية إلى الإجراءات القانونية الواجبة. في الوقت الحالي، هناك ثمانية أشخاص معرضين لخطر الإعدام الوشيك، إلى جانب عشرة محكوم عليهم بالإعدام في السجون البحرينية.

على مدى عشر سنوات، لقي الكثيرون حتفهم في الشوارع أو تحت التعذيب، وفقدوا حرّيتهم وتعرّضوا لإصابات و للتعذيب وسوء المعاملة؛ تم فصل العديد من العائلات؛ أُجبر الكثير من الناس على مغادرة البلاد؛ فقدت الوظائف؛ توقفت الدراسات وتم إلغاء المنح الدراسية؛ دمّرت الأرواح؛ لم تتوقف الاعتقالات أبداً، واستمرت المحاكمات غير العادلة؛ و ساءت القيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع؛ و اشتد التعصب تجاه المعارضة. إن هؤلاء الناس يريدون فقط ديمقراطية يحكمها قانون عادل يتساوى فيه الجميع دون تمييز.

صمت المجتمع الدولي

 في حين لعب المجتمع الدولي دورًا بارزًا في الثورات في تونس ومصر وسوريا وليبيا، كان دوره في الحالة البحرينية أقل وضوحًا، أي أن المجتمع الدولي كان أقل قوة فيما يتعلق بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة البحرينية لعلاج تكتيكات القمع التي تصاعدت منذ بداية الانتفاضة وحتى الآن.

إنّ الدول البارزة في المجتمع الدولي، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، لديها علاقات تاريخية مع البحرين، ربما تكون هذه العلاقات التاريخية إلى جانب الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية أحد الأسباب التي جعلت المجتمع الدولي أقل “حرصًا” في الدفاع عن الحركة المؤيدة للديمقراطية في البحرين مقارنةً بانخراطه في بلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

عند الدخول في مزيد من التفاصيل حول سبب تعامل المجتمع الدولي مع الوضع البحريني بشكل مختلف، يجب النظر في العلاقات الدولية للبحرين، بما في ذلك اتفاقية التعاون الدفاعي الموقعة في أكتوبر 1991، والتي تمنح القوات الأمريكية حق الوصول إلى المنشآت البحرينية وتضمن الحق في التمركز المسبق للأزمات المستقبلية. في عام 2006، دخلت اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والبحرين حيز التنفيذ، مما أوجد فرصًا تجارية إضافية لكلا البلدين. علاوة على ذلك، في عام 2017، وافقت وزارة الخارجية الأمريكية على بيع أسلحة بقيمة 3.8 مليار دولار للبحرين، بما في ذلك طائرات F-16 وصواريخ وزوارق دورية. لطالما كانت الولايات المتحدة متحالفة مع البحرين وأقامت الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين لسنوات عديدة. للمملكة المتحدة أيضًا وجود بحري دائم في البحرين، والذي تم توسيعه في عام 2014 بموجب اتفاقية بين البحرين والمملكة المتحدة.

لقد شجّع صمت المجتمع الدولي الحكومة البحرينية على الاستمرار في قمع المعارضة دون محاسبتها، ولعب افتقار المجتمع الدولي إلى موقف واضح ومستمر تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين دورًا في كيفية تحول الأمور بعد عشر سنوات من انتفاضة 2011، التي لا يزال الشعب البحريني يكافح فيها للحصول على حقوقه، والعالم لم ينطق بعد.