إصلاحات تجميلية – تقييم تنفيذ البحرين لتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق بعد مرور عشر سنواتقبل عشر سنوات، اندلعت انتفاضة شعبية في البحرين مع آمال كبيرة في التحول الديمقراطي. منذ ذلك الحين، البلاد في حالة اضطراب. لم تكن انتفاضة 2011 هي الوحيدة في تاريخ البحرين المعاصر، بل هي استمرار لعقود من النضال من أجل حقوق المشاركة المتساوية وحكومة تمثيلية. بدأت انتفاضة 14 فبراير ببضعة آلاف من المتظاهرين وفي غضون أيام قليلة جذبت مئات الآلاف من البحرينيين من خلفيات وفئات عمرية وانتماءات طائفية مختلفة. وإزاء ذلك، أرسلت حكومة البحرين قواتها الأمنية لقمع الاحتجاجات باستخدام القوة المفرطة. بعد شهر من المظاهرات، أعلن الملك “حالة السلامة الوطنية” لمدة ثلاثة أشهر، ابتداءً من 15 مارس 2011.
منح المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، الذي أعلن “حالة السلامة الوطنية”، قوى الأمن صلاحيات واسعة لتطبيق أحكامه، وكلّف النيابة العسكرية بإصدار مذكرات توقيف ومباشرة الإجراءات الجنائية، كما أنشأ محاكم السلامة الوطنية (محاكم عسكرية) للنظر في الجرائم “التي أدت إلى إعلان حالة السلامة الوطنية” والجرائم المرتكبة خلافاً لإجراءات السلامة الوطنية.[1] كانت هناك أربع أجهزة أمنية مسؤولة بشكل رئيسي عن تنفيذ المرسوم الملكي: قوة دفاع البحرين، ووزارة الداخلية، وجهاز الأمن الوطني، والحرس الوطني. إن الطريقة التي فسّرت فيها الجهات الأمنية والقضائية هذا المرسوم فتحت الطريق أمام انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحرمان التعسفي من الحياة، والتعذيب أثناء الاحتجاز، والمحاكمات الجائرة، بالإضافة إلى الاعتقال التعسفي، والاحتجاز المطول دون إذن قضائي، والحبس الانفرادي، من بين انتهاكات أخرى. كما شهدت هذه الفترة هدم منشآت دينية، والفصل الجماعي من دون سابق إنذار لموظفين في القطاعين العام والخاص، والطرد التعسفي لمئات الطلاب وإلغاء منحهم الدراسية، وقمع منهجي للنشطاء وقادة المعارضة والنقابيين وأي شخص شارك أو دعم الحراك المؤيد للديمقراطية.
تحت الضغط الدولي، أنشأ الملك اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (اللجنة)، المؤلفة من خمسة خبراء ومحامين دوليين في مجال حقوق الإنسان، بإصداره المرسوم الملكي رقم 28 لعام 2011. وقد تم إنشاء اللجنة “للقيام بالتحقيق في مجريات الأحداث التي وقعت في مملكة البحرين خلال شهري فبراير ومارس 2011، وما نجم عنها من تداعيات لاحقة، وتقديم تقرير حولها متضمناً ما تراه مناسباً من توصيات في هذا الشأن”.[2] في نوفمبر 2011، سلمت اللجنة تقريرها إلى الملك، حيث وجدت أن قوات الأمن انتهكت بشكل ممنهج حقوق الإنسان الأساسية خلال الفترة المشمولة بالتقرير. لقد استخدموا القوة المفرطة ضد المتظاهرين، وقتلوا المدنيين بشكل غير قانوني، وعذبوا المعتقلين، وانخرطوا في “سلوك مثير للرعب”، وأن عدم مساءلة المسؤولين داخل النظام الأمني أدى إلى ثقافة الإفلات من العقاب. سلّط تقرير اللجنة الضوء على الانتهاكات الجسيمة للحقوق المتعلقة بمراعاة الأصول القانونية أمام محاكم السلامة الوطنية، وأكّد أن عدداً كبيراً من المتهمين حوكموا لممارستهم حقوقهم في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات.
أشار التقرير إلى أنه كان ينبغي على حكومة البحرين أن تدرك أن هدم المنشآت الدينية الشيعية “سيعتبر بمثابة عقاب جماعي”. كما تناول التقرير التحريض على الكراهية واللغة المهينة المستخدمة في التغطية الإعلامية للأحداث، وخلُص إلى أن “السلطات حاولت تقييد حرية التعبير والرأي للإعلاميين البحرينيين”، وأن المعارضة تفتقر إلى الوصول الكافي إلى وسائل الإعلام الرئيسية في البحرين. طعنت اللجنة في شرعية فصل الموظفين والطلاب واعتبرته تعسفياً. وفي الختام، تضمن تقرير اللجنة 26 توصية شكلت خارطة طريق لإصلاح حقيقي في البحرين.
بعد قبول الملك لنتائج وتوصيات تقرير اللجنة، نفذت حكومة البحرين العديد من الإصلاحات القانونية والمؤسسية. في مايو 2016، أعلنت الحكومة أن تنفيذ جميع توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق قد اكتمل. إنما وجد تقييم مركز البحرين لحقوق الإنسان خلاف ذلك.
بعد عشر سنوات، لا يزال قادة حراك 2011 المؤيد للديمقراطية خلف القضبان، والأحزاب السياسية المعارضة الرئيسية محظورة، والصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد موقفة إلى أجل غير مسمى. إن حملة الحكومة البحرينية على حرية التعبير جارية بكامل قوتها، فضلاً عن محاولات ترهيب منتقديها وإسكاتهم. لم يُحاسب مسؤولو الحكومة المسؤولون عن قتل عشرات المتظاهرين وتعذيب المئات، ولا أولئك الذين وجهوا حملة القمع، حيث أثبتت هيئات حقوق الإنسان الحكومية عدم فعاليتها. الأهم من ذلك، أن المظالم التي أشعلت فتيل انتفاضة 2011 لم تتم معالجتها. على العكس من ذلك، صعّدت حكومة البحرين من قمعها، وأغلقت بشكل منهجي وشامل المجال المدني والسياسي.
عند تقييم توصيات اللجنة الـ 26، وجد مركز البحرين لحقوق الإنسان أن حكومة البحرين نفذت بالكامل توصية واحدة فقط، في حين تم تنفيذ التوصيات الأخرى جزئياً أو لم يتم تنفيذها. فيما يتعلق بغالبية التوصيات، على الرغم من أن الحكومة قد تصرفت حيالها، إلا أنه لم يتم تنفيذها بشكل نزيه، حيث أن الخطوات المتخذة ليست عميقة وشاملة بما يكفي لإحداث تغيير حقيقي، أو أن الهيئات المسؤولة عن التنفيذ ليست مستقلة وفعالة. تشير الإصلاحات الفاترة إلى أن حكومة البحرين لم تكن جادة بما يكفي في معالجة القضايا التي أثيرت في التقرير وليس لديها نية حتى الآن لإجراء تغييرات جوهرية.
[1] المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011، متوفر على الرابط التالي http://www.alwasatnews.com/elections/page/604927.html
[2] المرسوم الملكي رقم 28 لسنة 2011، متوفر على الرابط التالي https://www.legalaffairs.gov.bh/AdvancedSearchDetails.aspx?id=7529
Full report: إصلاحات تجميلية – تقييم تنفيذ البحرين لتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق بعد مرور عشر سنوات