في 31 أغسطس 2022، تم اختيار مركز البحرين لحقوق الإنسان (BCHR) للمشاركة في الجلسات التمهيدية للاستعراض الدوري الشامل حول البحرين وكذلك دورة تدريبية معنية بهذه الآلية الأممية، واللاتي نظمتهن UPR-Info وهي منظمة دولية غير حكومية مقرها جنيف، سويسرا.
وفي السياق، يُعَدّ الاستعراض الدوري الشامل عملية فريدة تتضمن مراجعة سجلات حقوق الإنسان لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهي عملية تقودها الدولة، تحت رعاية مجلس حقوق الإنسان، وتتيح الفرصة لكل دولة للإعلان عن الإجراءات التي اتخذتها لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في بلدها والوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان. وكأحد السمات الرئيسية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تم تصميم الاستعراض الدوري الشامل لضمان المساواة في المعاملة لكل بلد عند تقييم أوضاع حقوق الإنسان الخاصة بهم، حيث أنّ الهدف النهائي لهذه الآلية هو تحسين حالة حقوق الإنسان في جميع البلدان ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان أينما حدثت، والجدير بالذكر أنّه لا توجد حاليًا آلية عالمية أخرى من هذا النوع الفريد.
تحدّثت أسماء درويش، رئيسة قسم المناصرة في مركز البحرين لحقوق الإنسان في لجنة المشاركين وقدّمت بيانات شفوية ومكتوبة تناولت كيفية تنفيذ التوصيات التي تم تقديمها خلال المراجعات السابقة للبحرين، وإن كان حالة حقوق الإنسان في البلاد قد تقدمت منذ الدورة السابقة أم لا. واختتمت البيانات باقتراح التوصيات التي يود مركز البحرين لحقوق الإنسان من الدول الأعضاء تقديمها إلى مملكة البحرين خلال مجموعة عمل الاستعراض الدوري الشامل في نوفمبر من هذا العام.
من المهم أن نشير هنا أن مركز البحرين لحقوق الإنسان قد قدم تقريرين لمجموعة العمل المعنية بالتشارك مع شركاء دوليين وكان على علم بعدم إجراء مشاورات من قبل حكومة البحرين لإشراك منظمات المجتمع المدني الوطنية بشكل هادف في تطوير تقريرها الوطني، حيث تم دعوة أحد منظمات المجتمع المدني الشريكة المحلية للمشاركة في ثلاث من إجمالي ورش العمل المعنية بإعداد الخطة الوطنية لحقوق الإنسان (لسنا على دراية بإجمالي عدد ورش العمل) والتي نظمتها وزارة الخارجية في مملكة البحرين. جاءت الدعوات قبل ثلاثة أو أربعة أيام فقط من موعد كل ورشة عمل، وتم إجراؤها جميعًا تقريبًا بواسطة Zoom، وقد وردنا أنّه قد حضر هذه الورش ممثلون عن المجتمع المدني، بما في ذلك بعض الجمعيات المستقلة.
ولا يمكن وصف هذه الاجتماعات الثلاثة بأنها ورش عمل، لأنها كانت أشبه بالندوات المغلقة، حيث ألقيت في كل اجتماع عدد من الخطب من قبل الوزارة ومشاركين آخرين، معظمهم من الجهات الحكومية، ولم يتم تقديم أي مسودة للخطة الوطنية خلال هذه الندوات، ولم تتم مراجعة بنودها، ولم يُطلب تضمين آراء الحضور في الخطة. ويبدو أن الوزارة اختارت مسبقًا عددًا من المدعوين لإلقاء الخطب التي تم تحديد موضوعاتها أيضًا مسبقًا من قبل الوزارة نفسها. وبحسب ما شوهد، فإن كل هذه الخطب لم تتطرق إلى محتوى الخطة، أو وجهة نظر المتحدث لما يجب أن تتضمنه الخطة أو كيفية تنفيذها. ووصفت الوزارة في اتصالاتها هذه الخطب بأنها “مراجعة ومناقشة لعدد من قضايا حقوق الإنسان”، بينما لم يكن الأمر كذلك تمامًا.
لم يُمنح الشريك فرصة لإلقاء خطاب في اجتماع 7 مايو 2020. وفي اجتماع 13 أكتوبر 2020، طُلب من منظمات المجتمع المدني تقديم خطاب مدته عشر دقائق كحد أقصى حول موضوع معين (أهمية النشر والتوعية بالخطط الوطنية)، بينما يختلف هذا الموضوع عن العنوان المُعلَن لورشة العمل (دور المؤسسات الوطنية ومنظمات المجتمع المدني في تعزيز حقوق الإنسان وتطويرها). وأمّا في اجتماع 29 مارس 2021، فقد تم تحديد موضوع تلتزم منظمات المجتمع المدني بإلقاء كلمة حوله لمدة لا تزيد عن ثلاث دقائق (دور المجتمع المدني في تنفيذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل والشراكة المجتمعية في تحقيق الاستدامة: أهداف التنمية). اختلف هذا الموضوع مرة أخرى عن عنوان الورشة المُعلَن عنه: (خطة العمل الوطنية لحقوق الإنسان في البحرين: الأهداف والأولويات).
لم تتضمن كل هذه المشاركات اجتماعات لمناقشة توصيات أو اقتراحات محدّدة حول موضوع الخطة الوطنية، ولم يتم إرسال أي من التقارير أو العروض أو البيانات التي راجعتها الوزارة أو غيرها إلى منظمات المجتمع المدني قبل أو بعد “ورش العمل” هذه، ولم تكن هناك آلية للنقاش، وكانت المداخلات غير المخطط لها مقتصرة على كلمات الشكر والثناء للوزارة وللمتحدثين.
ولاحظنا أيضًا هنا إن الموقع الرسمي الوطني المخصص للاستعراض الدوري الشامل والذي تديره وزارة الخارجية يفتقر إلى إشارة واضحة لآليات التشاور الوطنية، حيث لا توجد أي إشارة على أي مشاركة حقيقية لمنظمات المجتمع المدني، ومن الواضح أن الموقع الالكتروني في قسمه باللغة الإنجليزية يفتقر إلى التحديث منذ عام 2014.
ومن هنا، تناول بيان المركز والذي تم الإدلاء به بشكل خطي وشفوي في مقر الأمم المتحدة بجنيف القضايا التالية:
- أولويات المفوض السامي التابع للأمم المتحدة مع التركيز على
- الحق في الجنسية.
- الآليات الوطنية لحقوق الإنسان.
- حرية التعبير، مع تركيز خاص على الصحافة والإعلام الإلكتروني.
وفيما يتعلق بالحق في الجنسية، تابعنا رسالة المُفوّض السامي التابع للأمم المتحدة إلى وزير خارجية البحرين، والتي أبرز فيها ضرورة تعديل قانون الجنسية البحريني للسماح للمرأة البحرينية المتزوجة من غير البحريني بنقل جنسيتها لأبنائها، مستشهدة بمخاوف من جعل الأطفال عديمي الجنسية وامتثالًا أيضًا لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW).
ففي الدورة السابقة للاستعراض الدوري الشامل للبحرين، تلقّت الدولة ما لا يقل عن 18 توصية تدعو الدولة إلى القضاء على / إنهاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وقد أيّدت الحكومة البحرينية هذه التوصيات، إلا أنها لم تنفذها حيث أنّها لم تتخذ الإجراءات المناسبة لضمان المساواة في حقوق المرأة.
إنّ التشريع الذي يحكم قضايا الجنسية البحرينية مقنّن في قانون الجنسية البحرينية لعام 1963، وتم تعديله في عام 1981، وينص على أن الأفراد مؤهلون ليتم اعتبارهم مواطنين بحرينيين إمّا بالنسب أو بالولادة، في حين أن الجنسية البحرينية تنتقل عن طريق الذكور فقط. إنّه من الصعب للغاية على المرأة البحرينية أن تنقل جنسيتها البحرينية لأطفالها ولزوجها المولودين في الخارج أو عديمي الجنسية. في عام 2002، صادقت البحرين على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتي تنص المادة 9 منها على أن تمنح المرأة جنسيتها لأطفالها، ولكن قامت حكومة البحرين بتمديد هذا الحكم في ظروف محدودة للغاية من خلال المراسيم الملكية الاستثنائية.
إن التنفيذ البطيء لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) والفشل في تنفيذ قانون يسمح للمرأة بنقل جنسيتها البحرينية الذي وافق عليه مجلس الوزراء البحريني سابقًا في عام 2014 يظهر فقط التردّد الشديد للسلطات البحرينية في السماح للمرأة بنقل جنسيتها البحرينية إلى أطفالها، على الرغم من حقيقة أن البحرين تعهدت بذلك طواعية في عام 2017.
من جانب آخر هناك أعداد من البحرينيين معرضّون بأن يصبحوا عديمي الجنسية بسبب نشاطهم، حين استخدمت حكومة البحرين سلطاتها في سحب الجنسية كوسيلة لإسكات جماعات المعارضة، وسَلَبَ هذا الأمر فعليًا حقوقها في التحدث عن القضايا الوطنية والمشاركة في الانتخابات أو المجتمع المدني بشكل عام. حيث تم تجريد العديد من سجناء الرأي من جنسيتهم وترحيلهم بعد فترة وجيزة من انتهاء العقوبة، مما جعَلهم عديمي الجنسية وعرضة لعواقب انعدام الجنسية بشكل عام – على سبيل المثال، القدرة على العمل أو امتلاك الأرض أو السفر أو العيش في البحرين.
في وقت ما من عام 2018، ألغَت حكومة البحرين ما يقرب من 1000 جنسية، وفي عام 2020، قالت لجنة حماية الصحفيين الدولية إن هذه الممارسة استخدمت لقمع حرية التعبير والصحافة لأن العديد ممن تم استهدافهم كانوا من الصحفيين والمدونين، في حين ذكر التحالف العالمي لمشاركة المواطنين أن البحرين كانت في طليعة الدول التي تستخدم هذه الممارسة.
ما يُثير القلق بشكل خاص بشأن التجريد التعسفي للجنسية من قبل حكومة البحرين هو الافتقار إلى الإجراءات القانونية الواجبة أو المحاكمات العادلة للمتورطين. ففي عام 2018، أسفرت محاكمة جماعية عن إلغاء أكثر من 138 مواطن وحكم على أكثر من 50 منهم بالسجن مدى الحياة. ووفقًا للمعايير القانونية الدولية، من الصعب إجراء محاكمات عادلة في إطار محاكمات جماعية، حيث يُحكم على هذا العدد الكبير من الأشخاص في وقت واحد. وفي بعض القضايا، مثل قضية مسعود جهرمي، لا يتم إبلاغ المتهمين بالإجراءات المتخذة ضدهم ويُتركون لمعرفة أن جنسياتهم قد أُسقطت عبر الرسائل النصية وفي وسائل الإعلام.
يحتوي قانون الجنسية البحريني على لغة فضفاضة في تعديلاته تسمح للدولة بسحق أشكال المعارضة بدلاً من الوقوف على قضايا الأمن القومي التي تهدف إلى مواجهتها. على سبيل المثال، ينص قانون الجنسية على أنه يمكن سحب الجنسية إذا تسبّب الشخص في إلحاق الضرر بمصالح المملكة وإذا ارتكب فعلًا ضد مصالح المملكة. شوهد هذا في فبراير 2015، عندما تم إلغاء جنسية أكثر من 72 فردًا، بتهم متعلقة بالإرهاب، والتشهير بالدول الشقيقة، وتشويه صورة النظام، ونشر أخبار كاذبة لعرقلة قواعد الدستور. وبشكل أكثر تحديدًا، ما يصل إلى 50 من هؤلاء الأفراد هم من المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء سياسيين وصحفيين وأكاديميين وعلماء دين؛ و20 من المتهمين فقط كانوا مرتبطين بجماعات متطرفة.
من خلال جمع النشطاء الحقوقيين والسياسيين مع المتطرفين المزعومين، فإن حكومة البحرين تطمس الخطوط الفاصلة بين الأعمال الإجرامية وممارسة الفرد لحرية التعبير، وإلى جانب أدوات أخرى لإسكات المعارضة، مثل التعذيب والاحتجاز التعسفي، فإن حكومة البحرين ترسل رسالة عمدًا من خلال تشويه صورة النشطاء الساعين إلى الإنصاف.
وعلى الرغم من أن ملك البحرين أعاد جنسيات حوالي 500 فرد في عام 2019، إلا أنه من غير الواضح ما إذا تم تخفيف الأحكام الصادرة بحقهم أو ما إذا تم تعويضهم عن خسائرهم خلال فترات انعدام الجنسية. والأهم من ذلك، أن 400 شخص آخر، يتألفون أساسًا من مدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء، لا يزالون عديمي الجنسية بسبب التجريد التعسفي لجنسياتهم من قبل حكومة البحرين.
لذلك يأتي حثنا على جعل القضايا المتعلقة بالحق في الجنسية من ضمن القضايا البارزة في الاستعراض الدوري الشامل القادم، مع إعطاء الأولوية للإلغاء التعسفي للجنسية وعدم قدرة المرأة على نقل جنسيتها إلى أطفالها. أوصينا حكومة البحرين بما يلي:
- تعديل قانون الجنسية البحريني للسماح للمرأة البحرينية المتزوجة من غير بحريني بنقل جنسيتها إلى أطفالها كما تعهدت طواعية في عام 2017.
- الاستمرار في إعادة جنسيات الأفراد الذين سُحبت منهم بشكل تعسفي.
- مزيد من الإصلاح المفرط لقوانين الجنسية والإرهاب التي تؤدي إلى انعدام الجنسية.
- إنشاء نظام يمكن للحكومة من خلاله جمع المعلومات وتتبع حالات انعدام الجنسية المتبقية في البحرين وملفات تعريف هذه المجموعات المختلفة عديمي الجنسية.
أمّا فيما يتعلق بمسألة الآليات الوطنية لحقوق الإنسان في البحرين، وأثناء فحص البحرين في إطار الدورة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل، تلقت الحكومة ما لا يقل عن 12 توصية بشأن فعالية واستقلالية المؤسسات المعنية بالتحقيق في مزاعم سوء المعاملة والتعذيب. من بين التوصيات الأخرى، التزمت الحكومة بـ “تعزيز استقلالية وفعالية المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وفقًا لمبادئ باريس” و “إجراء تحقيق معمق على الفور في جميع مزاعم التعذيب وسوء المعاملة”. تم دعم كل هذه التوصيات؛ ومع ذلك، فقد فشلت الحكومة في تفعيل العديد من هذه التوصيات.
أدّت هذه التوصيات إلى إنشاء العديد من الهيئات الحكومية لحقوق الإنسان وتعديل صلاحيات الآخرين، بما في ذلك وحدة التحقيق الخاصة (SIU)، ومفوضية حقوق السجناء والمحتجزين (PDRC)، ومكتب الأمانة العامة للتظلمات في وزارة الداخلية، والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان (NIHR). وعلى الرغم من أنّ إنشاء هذه الهيئات كان بمثابة تقدم ملحوظ في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان والإفلات من العقاب، فإنّ الوضع العام لحقوق الإنسان لم يتحسن، حيث ازدادت انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بحرية التعبير والتجمع في السنوات الأخيرة، واستمرت مضايقة النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان. والأهم من ذلك، أنّ “ثقافة الإفلات من العقاب” التي كان من المفترض أن تتصدى لها هذه الهيئات لا تزال منتشرة.
تأسست وحدة التحقيق الخاصة خصيصًا في عام 2012 لمحاسبة المسؤولين الحكوميين على جرائم التعذيب وسوء المعاملة. ومع ذلك، فقد فشلت في ممارسة الاستقلالية والفعالية، لا سيما في تحديد “مسؤولية المحاسبة”. بلغ متوسط معدل إحالة القضايا إلى المحاكم الجنائية 7.72٪ من إجمالي الشكاوى التي تلقتها وحدة التحقيق الخاصة خلال السنوات الخمس الماضية، والتي انتهى معظمها بالبراءة والأحكام المخففة. علاوة على ذلك، كانت معظم المحاكمات لضبّاط ذوي رتب متدنية. يتم انتداب غالبية موظفي الوحدة من مكتب النيابة العامة، والتي تعمل تحت مظلتها، مما يؤثر ارتباط وحدة التحقيق الخاصة مع مكتب النيابة العامة بشكل سلبي على نزاهتها وثقة الجمهور بها، لا سيما في ضوء تجاهلها لمزاعم التعذيب والمحاكمات لسجناء الرأي. علاوة على ذلك، فإن الوحدة لا تمتثل للعديد من أحكام بروتوكول اسطنبول، والتي من المفترض أن تكون متوافقة معها.
تم إنشاء مفوّضية حقوق السجناء والمحتجزين في عام 2013 لمراقبة أماكن الاحتجاز، وهي تعمل كآليّة وقائية وطنية مُخوّلة للتحقق من ظروف ومعاملة النزلاء. لقد تم التشكيك في استقلالية وفعالية المفوضية على جانب افتقارها إلى الشفافية في تعيين أعضائها، واعتمادها المالي على مكتب الأمانة العامة للتظلمات التابع لوزارة الداخلية، وعدم وجود محاسبة واضحة في تقاريرها، إلى جانب فشلها في إظهار الصرامة والجدية والمثابرة في معالجة القضايا الملحّة في مرافق الاحتجاز، ولا سيما سوء معاملة السجناء السياسيين.
بدأ مكتب الأمانة العامة للتظلمات بوزارة الداخلية عمله في يوليو 2013، وقد تم إنشاؤه لضمان التزام موظفي وزارة الداخلية بالإجراءات القانونية ومحاسبة المخالفين، كما أنها مكلّفة بتلقي ومراجعة وفحص الشكاوى المقدمة ضد أفراد قوات الأمن العام. إن استقلال هذا المكتب أمر مشكوك فيه أيضًا، حيث تشرف وزارة الداخلية عليه وتقوم بتعيين موظفيه. وفيما يتعلق بمدى فعاليتها، مارس المكتب ترددًا وتجاهلًا للانتهاكات الموثقة جيدًا التي ارتكبها موظفو وزارة الداخلية، كما يتضح من عدد القضايا المحالة من قبله لاحتمال الملاحقة الجنائية المحتملة، وحقيقة أنه تم فتح تحقيق واحد فقط بمبادرة منه في السنوات الخمس الماضية.
تم تعديل تفويض المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في عامي 2012 و2013 لجعله يتماشى مع مبادئ باريس، ليكون لديها ولاية واسعة لحماية وتعزيز حقوق الإنسان في البحرين. ومع ذلك، على مدى السنوات الخمس الماضية، فشلت المؤسسة في التعليق أو التصرف حيال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك مزاعم التعذيب، والإعدامات التي أعقبت المحاكمات الجائرة، ومقاضاة المدافعين عن حقوق الإنسان، والتجريم العام للمعارضة. وفي أكثر من مناسبة، قامت بحماية الحكومة من خلال تبرير انتهاكاتها، ولقد كانت انتقائية في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان. بشكل عام، أظهرت مستوى واضح من النقص في الاستقلالية والفعالية في معالجة قضايا حقوق الإنسان الأكثر إلحاحًا في البحرين.
بدا إنشاء وحدة التحقيق الخاصة، مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين، ومكتب الأمانة العامة للتظلمات بوزارة الداخلية، إلى جانب تعديل ولاية المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، مهمًا في تحسين مشهد حقوق الإنسان في البحرين. ولكن لسوء الحظ، فإن عملهم لم يحقق نتائج ملموسة بعد. فبالإضافة إلى مشاكل هيكل آليات حقوق الإنسان، هناك نقص في الصرامة والشجاعة والجدية في معالجة الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها. وتكمن أيضًا المشكلة الحقيقية في عدم استقلالية هذه الهيئات وموظفيها، وتشترك الهيئات الأربع في انعدام الشفافية في آليات التعيين، حيث لا يتضمن أي منها مشاركة حقيقية وفعالة من قبل المجتمع المدني أو حتى البرلمان، وإن وجدت، فهي غير واضحة. إنّ هذه الهيئات تمّ تشكيلها من قبل الحكومة و في نفس الوقت تقديم تقاريرها إليها، مما يجعل قدرتها على تحدي الأجهزة الأمنية الحكومية أمرًا مستبعدًا.
علاوة على ذلك، لم يتخذ أي منهم إجراءات متابعة واضحة، سواء بالنسبة للشكاوى أو تنفيذ توصياتهم من قبل الجهات الحكومية المعنية، مما يؤثر سلبًا على فعاليتها. إنّ قلّة عدد الأفراد الذين تم تقديمهم إلى العدالة في السنوات الخمس الماضية، وعدم الالتزام بمبدأ تحميل المسؤولية و المحاسبة، والإحجام عن معالجة بعض انتهاكات حقوق الإنسان تُشير إلى أن هذه الهيئات، في وضعها الحالي، ليست مستقلة ولا فعالة، ولم يتم تصميمها بحيث تضمن حقًا الفعالية والاستقلالية في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان، إنّ ثلاثة من هذه الهيئات مرتبطة بوزارة الداخلية بشكل مباشر.
إن الرأي الذي قدّمته لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب بشأن هذه الهيئات يعكس بشكل جيد حالتها: “إن اللجنة قلقة من أن [الهيئات الوطنية البحرينية لحقوق الإنسان] ليست مستقلة، وأن صلاحياتها غير واضحة ومتداخلة، وأنها غير فعّالة، حيث تمر الشكاوى في نهاية المطاف من خلال وزارة الداخلية، ويساورنا القلق أيضًا من أن أنشطتهم كان لها تأثير ضئيل أو لم يكن لها أي تأثير على الإطلاق، وأن السلطات قدمت معلومات لا تُذكر فيما يتعلق بنتائج أنشطتها. وتشعر اللجنة بالقلق كذلك إزاء الثغرات الموجودة في آليات الشكاوى القائمة حيث يتعين على نزلاء السجون تقديم شكاوى تتعلق بالتعذيب أو سوء المعاملة من خلال حراس السجن أو مدير السجن أو نائب المدير، الأمر الذي لا يضمن تقديم الشكاوى إلى السلطات المختصة.”
نعتقد أنه من أجل معالجة هذه القضايا؛ على حكومة البحرين أن ترعى:
- ضمان إنصاف ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ووضع حد “لثقافة الإفلات من العقاب”.
- ضمان الاستقلال التام لوحدة التحقيق الخاصة عن النيابة العامة من خلال تعديل وضعها القانوني واعتماد آلية شفافة لتعيين موظفين محايدين.
- اعتماد قدر أكبر من الشفافية في توضيح نتائج الشكاوى التي تتلقاها وحدة التحقيق الخاصة وإجراءات المتابعة المتخذة، وكذلك تبرير قراراتها بشأن الشكاوى.
- ضمان استقلالية وفعالية مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين عن طريق تعديلها إلى آلية وقائية وطنية بالمعنى المقصود في البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب والتي تعمل تحت إشراف اللجنة الفرعية لمنع التعذيب.
- ضمان استقلالية مكتب الأمانة العامة للتظلمات بوزارة الداخلية من خلال إنهاء إشراف وزارة الداخلية على عمله وتعيين وفصل موظفيه.
- اعتماد آلية شفافة وقائمة على الجدارة لتعيين موظفي الأمانة العامة للتظلمات لفترات محدودة تتضمن دعوة عامة.
- ضمان أن تكون تقارير الأمانة العامة للتظلمات بوزارة الداخلية أكثر تفصيلاً وشفافية من حيث أسباب رفض الشكاوى والنتائج التفصيلية لتحقيقاتها.
- إنشاء آلية واضحة لعملية الفرز والاختيار والتعيين لمجلس المفوضين التابع للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.
- ضمان استقلالية المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان واستجابتها في تنفيذ مهامها.
- إنشاء آلية متابعة شفافة لتوصيات هذه المؤسسات، وضمان تحديد مسؤولية الإخفاق في معالجة الانتهاكات المرتكبة.
- السماح بمراجعة دورية محايدة لعمل هذه الهيئات من قبل هيئة مستقلة.
أخيرًا، فيما يتعلق بموضوع حرية التعبير والصحافة والإعلام الإلكتروني، خلال الدورة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل للبحرين، تعهّدت حكومة البحرين طواعية بالعمل على “قانون جديد للصحافة والإعلام الإلكتروني”. بادئ ذي بدء، إن صياغة التزامهم غامضة، ومع ذلك، عند مراجعة الاتجاهات الحديثة في مراقبة البحرين للمعارضة وتجريمها عبر الإنترنت، فمن غير المرجّح أن القوانين الجديدة، إن وجدت، سوف تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وعلى وجه التحديد، بشأن تجريم حكومة البحرين للمعارضة على وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام برامج التجسس لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني.
خلال الدورة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل، ركّزت التوصيتان 114.98 و114.104 على حماية حرية التعبير على الإنترنت. كلاهما بدعم من حكومة البحرين، لم يتم تنفيذهما حيث تُواصل البحرين مقاضاة الأفراد الذين يعبرون عن آرائهم عبر الإنترنت، مثل وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الأخص، حُكم على الرئيس السابق لمركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب في عام 2018 بالسجن لمدة خمس سنوات فقط بسبب منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2015 التي اتهمت السلطات البحرينية بممارسة التعذيب في سجن جو وانتقدت الضربات الجوية السعودية على المدنيين اليمنيين.
محاكمة رجب هي جزء من حملة أكبر التي تشنها حكومة البحرين على وسائل التواصل الاجتماعي، ففي مايو 2019، وجّهت حكومة البحرين قواتها الأمنية لإنهاء “إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي” و “ضمان إنهاء الحسابات الإلكترونية الضارة بأمن المجتمع”. وفي اليوم نفسه، أعلنت وزارة الداخلية أنها سترفع دعوى قضائية ضد أصحاب “حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي كانت تميل إلى تشجيع الفتنة والإضرار بالسلم الأهلي والنسيج الاجتماعي والاستقرار”، حتى جاءت بتسمية ناشطين في المنفى: سيد يوسف المحافظة، وحسن عبد النبي (الستري). الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن وزارة الداخلية حذّرت أيضًا من أن “تقديم معلومات كاذبة من داخل الدولة والترويج لرسائلها” سيؤدي إلى اتخاذ إجراءات قانونية أيضًا، منضمة بهذا الشكل إلى العديد من الدول الاستبدادية التي استخدمت قوانين المعلومات المضللة لتجريم خطاب المعارضة. ببساطة، كان تهديد وزارة الداخلية عبارة عن بيان شامل يمكن أن ينطبق على أي شخص يتواصل مع النشطاء في المنفى أو حتى يعيد تغريد المحتوى الخاص بهم.
في الأسابيع التالية، أصدرت وزارة الداخلية المزيد من التهديدات ضد النشاط “الضار” عبر الإنترنت، وهدّدت هذه المرة بمقاضاة الأفراد لمجرد متابعتهم صفحات “منحازة”. في نفس اليوم، قامت إدارة الأمن الالكتروني بوزارة الداخلية بنشر نصوص على المقيمين البحرينيين مع نفس التحذير. كانت حملة البحرين على وسائل التواصل الاجتماعي شديدة بما يكفي لدرجة أنها دفعت إلى رد من فريق السياسة العامة العالمي في تويتر، الذي قال إن تصرفات البحرين “تشكل تهديدًا كبيرًا لحرية التعبير والصحافة”.
حتى قبل دورة الاستعراض الدوري الشامل هذه، كان لحكومة البحرين تاريخ مُوثق جيدًا في استغلال تقنيات برامج التجسس لاستهداف المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان وجماعات المعارضة السياسية والصحفيين. في الآونة الأخيرة في عام 2021، تبيّن أن حكومة البحرين استخدمت برنامج التجسس بيغاسوس سيئ السمعة التابع لشركة NSO Group Technologies للتجسس على أعضاء المجتمع المدني. يمكن تثبيت Pegasus على الهاتف المحمول للفرد دون علمه، مما يسمح لمشغلي البرامج الضارة باستخراج محتويات الهاتف عن بُعد. وكان مركز البحرين لحقوق الإنسان قد أكّد مع مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية أن خمسة من أعضائه على الأقل أصيبت أجهزتهم بهذا البرنامج.
ومع ذلك، لم يُركّز أي من موضوعات الدورة الثالثة على إساءة استخدام برامج التجسس أو المراقبة ضد المجتمع المدني. وبالتالي، إنه من الضروري أن يتم تضمين بند برامج التجسس الذي يحمي استهداف المدنيين الأبرياء، وخاصة المعارضين، في أي قوانين جديدة للإعلام الإلكتروني تُصدِرها البحرين.
وبشكل عام، زادت حكومة البحرين من قيودها على حرية التعبير منذ بداية دورتها الثانية للاستعراض الدوري الشامل، ولا يزال النشطاء والصحفيّون عرضة لخطر الاعتقال والسجن بسبب قيامهم بعملهم أو التعبير عن آرائهم في أي وسيط – بدءً بالمطبوعات وصولاً إلى وسائل التواصل الاجتماعي. ولذلك نجد أن الحكومة فشلت تمامًا في تنفيذ توصيات الدورات الأولى والثانية والثالثة لحماية حرية التعبير والإعلام والصحافة. ينبغي هنا على حكومة البحرين:
- إلغاء أو تعديل التشريعات أو المراسيم أو اللوائح الأخرى التي تسمح بفرض قيود موسعة على حرية التعبير وحرية الصحافة.
- إصدار قانون جديد للإعلام يكرَّس بشكل كامل الحق في حرية التعبير في جميع وسائل الإعلام ويزيل المخالفات المبهمة التي يمكن تفسيرها لتشمل أشكالًا من حرية التعبير المشروعة.
- إلغاء سياسات الترخيص التعسفية والغير ضرورية لوسائل الإعلام والصحفيين.
- الحد من سلطة الرقابة التي تتمتع بها هيئة رقابة المعلومات وغيرها من هيئات الرقابة على وسائل الإعلام.
- الإفراج عن جميع الصحفيين والمصورين والمدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي المسجونين ظلماً.
- وقف المراقبة الجماعية على الإنترنت وإعادة فتح المواقع المحجوبة بشكل تعسفي.
- السماح للصحافة الأجنبية بالتغطية بحرية من البحرين.
واختتم البيان الذي ألقته درويش بالقول: “كان من المفترض أن يؤدي التنفيذ الكامل والصادق للتوصيات إلى تمهيد الطريق لعهدٍ جديدٍ في البحرين، يتم فيه احترام حقوق الإنسان وتحقيق المساءلة. ومع ذلك، منذ عام 2011، تدهورت حالة حقوق الإنسان، وبعد مرور أكثر من عشر سنوات، لا يزال قادة الحركة المؤيدة للديمقراطية خلف القضبان، وتم حظر الأحزاب السياسية المعارضة الرئيسية، وتم تعليق الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد إلى أجل غير مسمى. إنّ حملة حكومة البحرين على حرية التعبير مستمرة، فضلاً عن محاولات ترهيب منتقديها وإسكاتهم. لم يُحاسب المسؤولون الحكوميون المسؤولون عن قتل عشرات المتظاهرين وتعذيب المئات، ولا أولئك الذين وجَّهوا حملة القمع، حيث أثبتت هيئات حقوق الإنسان الحكومية عدم فعاليتها. الأهم من ذلك، أن المظالم التي أشعلت فتيل انتفاضة 2011 لم تتم معالجتها. على العكس من ذلك، صعّدت حكومة البحرين قمعها، وأغلقت بشكل منهجي وشامل المجال المدني والسياسي”.
عند مراجعة العديد من أولويات المفوض السامي التابع للأمم المتحدة بعد الدورة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل للبحرين، وجدنا أنه لم يتم تنفيذ أي من التوصيات التي قمنا بذكرها هنا بنجاح وبشكل هادف، بما في ذلك تلك التي دعمتها البحرين أو حتى تعهّدت بها طواعية. في الواقع، كشفت الأحداث الأخيرة مثل برنامج تجسس بيغاسوس عن المزيد من قضايا حقوق الإنسان ضمن الموضوعات التي دعمتها البحرين وتعهّدت بها طواعية، لا سيما في مجال حقوق الإنسان والحريات .