علي عبدالإمام، موقع المجتمع العالمي للمعلومات:Global Information Society Watch
ترجمة: مرآة البحرين
مقدّمة
البحرين جزيرة صغيرة تقع في الخليج الفارسي ويحكمها آل خليفة منذ العام 1783. يبلغ عدد سكّانها 1,314,089 :[1] 46% منهم بحرينيين وتشمل النّسبة المتبقيّة الأجانب، أي العمّال بشكل أساس.
وتبلغ نسبة الأُمّية 1.13% من عدد السّكّان (2013)[2]. وتسجّل البحرين أعلى نسبة ولوج الإنترنت بين الدول العربية[3] تصل إلى 87% وأعلى نسبة استخدام لتويتر أيضًا[4]. تُعتبر تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات بالغة الأهمّيّة بالنّسبة للأجانب والإقتصاد البحريني، الذي يعتمد على الخدمات المالية والمصارف الخارجية الحرّة. قد توفّرت الإنترنت في البلاد عام 1994، فكانت البحرين من الدول العربية الأولى في المنطقة التي توفّرت لديها خدمة الإنترنت.
ومنذ البداية، استعان ناشطو المجتمع المدني بالإنترنت للقيام بنشطاتهم واتّصالاتهم-وأدّى هذا إلى أوّل اعتقال لناشط إلكتروني في العام 1998، وفرض الرقابة على المواقع، ومؤخّرًا التّجسّس على الناشطين عبر تكنولوجيا متطوّرة للرقابة.
وتعتمد منظّمات المجتمع المدني على الإنترنت لحشد المناصرين، فالإعلام التقليدي مملوك من قِبَل النّظام، أو مُسيّر وفقًا لقانون الإعلام[5]. فنشر الأخبار والبيانات الإعلامية على الإنترنت من السُبُل التي تساعد الناشطين في البحرين على كسب شهرة بسرعة خاطفة.
السياسة المتّبعة والخلفية السياسية
كان ملتقى البحرين (أي بحرين أون لاين)[6] الموقع الأوّل الذي أنشأه وموّله ناشطون إلكترونيون. وكانت انطلاقته في العام 1998 في غضون فترة تطبيق قانون أمن الدولة[7] (من عام 1975 إلى 2001)، الذي يسمح للحكومة باعتقال أي شخص لمدّة ثلاث سنوات من دون إجراء تحقيق أو محاكمة عادلة. وقد حدث هذا الأمر خلال انتفاضة الكرامة في البحرين[8] (1994-2000)، التي أدّت إلى العشرات من القتلى والآلاف من المعتقلين السياسيين. ولأكثر من مائة عام، عُرِفت البحرين بالانتفاضات كل عشر سنوات. واشتُهر النّظام أيضًا بانتهاكه لحقوق الإنسان، والتعذيب، والتمييز، والاستبداد.
وكان ملتقى البحرين المصدر الرّئيس لآراء المعارضة، وفي العام 2001 خلال ميثاق العمل الوطني[9]، وهو مشروع إصلاحي أصدره الأمير الجديد آنذاك، أدار ملتقى البحرين نقاشًا إلكترونيًّا حوله-ومنذ انطلاقه، استمر الموقع بإطلاق مناقشات إلكترونية مشابهة. وقد أحدث هذا الأمر تحوّلًا في ملتقى البحرين، فلم يعد ينقل الأخبار فحسب، بل أصبح يعرض الرأي العام، الذي كان في أغلب الأوقات مناهضًا للحكومة.
وأطلق الموقع الحملات، وعرض مقاطع فيديو وصورًا للنشاطات الاحتجاجية أو انتهاكات حقوق الإنسان. وبما أنّ النّظام لم يعد باستطاعته التحكّم بسيل المعلومات والأخبار، فإنّه اعتقل الناشطين الذين يُديرون الموقع في شباط/فبراير من العام 2005[10]. فحُجب الموقع في العام 2002، على الرّغم من أنّ الموقع بقي موضع اهتمام كبير للرأي العام.
المقاومة الإلكترونية
في شهر مارس/آذار من العام 1999 توفي الأمير الأسبق بغتةً، فخلفه ابنه في الحكم. وكانت انتفاضة الكرامة تعاني الأمَرّين آنذاك بعد اعتقال غالبية ناشطيها الفاعلين. وكان العزم السياسي على التّقدّم والإصلاح غائبًا في الجزيرة، التي كان يسود فيها قانون أمن الدولة ويسيطر عليها رجالها، في حين كان الاقتصاد يواجه المصاعب.
بدأ ملتقى البحرين يلفت اهتمام عدد أكبر من النّاس الذين كانوا يحاولون الحصول على أخبار من مصادر أخرى، موثوقة.
وعندما اعتلى الأمير الجديد العرش، أطلق وعودًا بالإصلاح الحق، من خلال إعطاء النّاس حقوقهم كاملةً، منها حرّية التعبير عن الرّأي، ووهب الحكم للشعب. ولذا، بشكل أساس، وعد بتحديث الدولة. فصدّقه النّاس وباشروا بالنّقاش حول ميثاق العمل الوطني. وبادر الكثيرون بالتعبير عن آرائهم في ملتقى البحرين، مستخدمين أسماء وهمية لضمان بعض الخصوصية والأمان.
وتنامت مصداقية ملتقى البحرين، على الرّغم من أنّ مجموعة مجهولة كانت تُديره. وبدأت الحكومة تهتم به من أجل تحسّس موقف المواطنين من مشروع الإصلاح. ولكن حينما برزت الاختلافات بين الحكومة والمعارضة في ما يتعلّق بالدستور الجديد الذي أصدره الملك من دون الرّجوع إلى المعارضة، أدّى ملتقى البحرين دورًا كبيرًا جدًّا في إظهار الاختلاف الواقع بين حكم ملكي دستوري وما يقدّمه الملك في دستوره الجديد. فطُبِعَت مقالات الموقع ووُزِّعت بين النّاس. فساعد هذا الأمر أيضًا في جعل ملتقى البحرين مرجعًا موثوقًا، لا سيّما عندما اعتمدت المعارضة عليه في عرض رسائلها.
وفي العام 2002، في غضون الانتخابات الأولى ودعوة المعارضة إلى مقاطعتها، وكان ملتقى البحرين الوسيلة الإعلامية الوحيدة الداعمة لهذه المقاطعة، ممّا أدى إلى اعتقال ثلاثة من الناشطين الذين كانوا يُديرون الموقع. فاحتُجزوا لمدّة أسبوعين بتهمة الإساءة إلى الملك، ونشر خطاب مفعم بالكراهية، وعرض أخبار كاذبة.
وفي هذه الفترة من الزّمن، تحوّل ملتقى البحرين من كونه منبرًا إلكترونيًا إلى أداء دور فعّال “على الأرض”، في تنظيم التّظاهرات، وزيارة المستشفيات، وحتّى نشر بيانات إعلامية عند حصول أحداث مهمّة. وكان ملتقى البحرين يُؤمّن تغطية مباشرة للتّظاهرات، ويعرض صور الأحداث التي قد لا تظهر في الوسائل الإعلامية التقليدية. وفي بعض الأحيان، حرّر أخبارًا استقصائية عن الفساد، مّما أدّى إلى حجب الموقع في العام 2002.
وقد أظهر هذا الحجب المفروض على ملتقى البحرين مدى إخلاص النّاس للموقع. فتشاركوا الوكالات في ما بينهم، وسجّل أعضاؤه طلبًا لإعادة فتح الموقع. واستخدموا نظامًا فعّالًا لأسماء المجالات ((DNS من أجل إعادة توجيه الرّوابط. وعندما أُخضِعت هذه الرّوابط للمراقبة، ساهم أعضاء الموقع بوثيقة تشرح كيفية إنشاء رابط خاص مع القرّاء، ممّا ساعد في استمرار عمل الموقع، ومع 80،000 مشاركة في اليوم الواحد، أصبح أكثر موقع مُطّلع عليه في البحرين.
وكانت هذه أوّل إشارة إلى السُبُل التي يمكن للناس تدريب أنفسهم على اتّخاذها في التكنولوجيا الجديدة لتحاشي الرّقابة في البحرين. وفي فترة اعتقال أعضاء إدارة الموقع، نظّم الأعضاء تظاهرات عدّة، طالبوا فيها الإفراج عن مدراء الموقع وإسقاط التّهم الموجّهة إليهم. وأدّى هذا الأمر إلى حصول تغطية واسعة في الإعلام، وإطلاق سراح المدراء من دون محاكمة[11].
وأثناء اعتقال مدراء موقع ملتقى البحرين، اكتشفت الحكومة أنّها تخلّفت عن الخوض في المعرفة التّقنية، وفشلت في فهم طبيعة الإنترنت. لذلك، بدأت في الاستعانة بأدوات جديدة لإخضاع مواقع المعارضة إلى الرّقابة. ولكنّ النّاس، مجدّدًا، تعلّموا كيفيّة تخطّي تكنولوجيا الرقابة الجديدة.
وفي شهر شباط/فبراير من العام 2009، عرض عضو في ملتقى البحرين مستخدمًا لقب “نازك الملائكة” [12] قائمة شاملة لأسماء موظّفي جهاز الأمن الوطني. وبعد شهرين[13]، في 14 مايو/أيار، اعتُقل حسن سلمان بتهمة “تسريب معلومات خاصّة.[14]” وفي شهر سبتمبر/أيلول من العام 2009، حكمت المحكمة الجنائيّة الكبرى على حسن بالسجن لثلاث سنوات[15]. وقد تمّ الإفراج عنه مؤخّرًا.
وفي أعقاب هذه الحادثة، وفي العام نفسه، أصدرت هيئة تنظيم الاتّصالات لائحة تنظيمية جديدة تُعنى بمزوّدي خدمات الإنترنت (ISPs)[16] تقول بأنّ عليهم حفظ سجلّات الاتّصالات لمدّة ثلاث سنوات، وكذلك تأمين ولوج تقني لجهاز الأمن الوطني لرصد أو حجب شبكات الاتّصالات على الإنترنت في البحرين. وقد لاقى هذا القرار معارضة كبيرة من الإعلام، والمنظّمات غير الحكومية، وأعضاء البرلمان. ولكن، سيتم تطبيقه قريبًا على ما يبدو[17].
وفي العام 2010، عندما اعتقلت الحكومة ناشطين في حقوق الإنسان، وشخصيّات عامّة، ومدوّنين (منهم أحد مدراء ملتقى البحرين للمرّة الثّانية)، واجهتهم برسائل خلوية نصيّة ورسائل بريد إلكتروني مطبوعة، على الرّغم من أنّ السّلطات لم تُصادر أجهزتهم[18].
والتفسير الوحيد لما حصل هو أنّ الحكومة ابتاعت تكنولوجيا رقابة جديدة، وثبّتتها في كل مزوّدي خدمات الإنترنت. وشملت هذه الخطوة بدالة إنترنت البحرين(BIE) ، كما صرّحت مي آل خليفة[19] في أول قرار أصدرته في العام 2009 كوزيرة للثقافة والإعلام. فألزم هذا القرار جميع مزودي خدمة الإنترنت بقرارات الحجب الصادرة عن الحكومة عبر تثبيت المواد اللّازمة. فتلقّت المنظّمات غير الحكومية والناشطون الإلكترونيّون هذا القرار بسلبية.
ومع بدء حراك الرّبيع العربي، سعى الشّباب إلى تنظيم حركة من أجل السّير قدمًا نحو الإصلاح. فكان موقع ملتقى البحرين المنبر المستخدم للحديث عن هذه الفكرة[20]، والتّخطيط لها[21]، وتنطيمها، وتغطيتها إعلاميًّا لحظةً بلحظة. وقد أطلقوا على هذه الخطوة التصعيدية تسمية يوم الغضب وأصدروا بيانات إعلامية تُفصح عن مطالبهم[22]. وبما أنّ النّاس بدأوا بتعلّم التّكتيكات الأمنية، لم يكن بإمكان الحكومة التّعرّف على أولئك يقفون وراء هذه الانتفاضة واعتقالهم.
وحين بدأ القمع في البحرين، أعرضت وسائل الإعلام عمّا كان يحدث في البلاد. فكان الإنترنت والشّباب الذين آمنوا بإمكانية إحداث تغيير وحدهم الذين حافظوا على استمراريّة الانتفاضة. والآن بعد ثلاث سنوات ونصف السّنة، لا تزال الحركة في البحرين نابضة بالحياة بفضل هؤلاء.
وفي العام 2012، تلقّت آلاء الشّهابي[23]، كغيرها من النّاشطين، رسائل بريد إلكتروني مشبوهة من شخص زعم أنّه من قناة الجزيرة. وقد احتوى ملفًا مرفقًا مُصاب بفيروس فين فيشر FinFisher، وهو منتج من شركة بريطانية. فأجرت منظّمة “بحرين واتش” تحقيقًا في الموضوع أودى إلى الاكتشاف أنّ أداة التّجسّس نفسها اخترقت أجهزة ناشطين آخرين، مّما ساهم في سيادة الوعي في البحرين حول التكنولوجيا الجديدة التي تستخدمها الحكومة في هجومها على النّاشطين.
وقد لاحظت منظّمة “بحرين ووتش” عقب إصدار تقريرها عن التجسّس على بروتوكول الإنترنت (IP Spy)[24]، عدم حصول استهداف جديد للنّاشطين. واستخلص التّحقيق أيضًا أنّ الوعي عند النّاشطين حول الأمن الإلكتروني كبير، وقد باشر أفراد غير ناشطين بتحميل أدوات تشفير وبرامج مراسلة فورية أكثر أمانًا.
استنتاجات
وفي شهر فبراير/شباط من العام 2014، أقرّ الملك قانونًا يعاقب بشدّة كل مَن يُهين الملك بالسجن لمدة تصل من ثلاث وسبع سنوات وبدفع غرامة ماليّة تصل إلى 1,000 دولار أميركي. ولكن لم تكن المشكلة تكمن في مسألة إهانة الملك أم لا بل في الطّريقة التي تستخدم فيها الحكومة القوانين للانتقام من المعارضة. وحاليًّا، يقبع أكثر من 15 شخصًا وراء القضبان أو ينتظرون محاكمتهم بسبب استخدامهم للإنترنت؛ بعضهم متّهم بإهانة الرّموز أو الشّخصيّات الدّينيّة، والبعض الآخر بإهانة الملك أو رئيس الوزراء.
وكذلك سمعنا روايات تقول بأنّ بعض الأشخاص طُرِدوا من وظائفهم بسبب “إعجابهم” بمقال على موقع “الفايسبوك”، بينما سُرقت هواتف خلوية لآخرين لاحتوائها على صور أو محادثة معيّنة.
إنّ حرية التّعبير عن الرّأي حق من حقوق الإنسان العالمية يحتاجه كل البشر، ولا بدّ من حمايته من قِبَل الحكومات. وقد أقرّت البحرين قوانين يُفترض بها حماية حرّية التّعبير عن الرأي، ولكنّها في الحقيقة، تقوم بعكس ذلك: فتُستغل هذه القوانين كوسيلة “للانتقام السّياسي،” كما أفاد مجلس حقوق الإنسان في جنيف. إذ لم تلتزم البحرين بمجموعة من 176 توصية أقرّها مجلس حقوق الإنسان في شهر مايو/أيار من العام 2012.
ولا تزال المنظّمات غير الحكوميّة، على المستوى العالمي، تضغط على الحكومة البحرينية للإفراج عن المدوّنين، والمصوّرين، ومعتقلي حقوق الإنسان والمعتقلين السّياسيين، وكذلك الكفّ عن انتهاك حقوق الإنسان، بيد أنّ الوضع لم يتغيّر على الإطلاق. ولا تزال الجوائز الدولية تُمنح للنّاشطين البحرينيين على الرّغم من أنّهم ما زالوا معتقلين في السّجون، كأحمد حميدان، الذي سُجن منذ عشر سنوات.
وإنْ كان المجتمع الدّولي عاجزًا عن الضغط على النّظام ليبدأ بالإصلاح من أجل تحقيق مطالب الشعب البحريني، فإنّ علينا، على الأقل، الضغط على الشّركات لمنع بيع تكنولوجيا الرقابة للحكومة البحرينية التي تستخدمها لانتهاك حقوق الإنسان. فعندما تُباع أجهزة التّجسّس إلى الحكومة، سيضطر مناصرو حقوق الإنسان إلى العمل بجد أكثر، ولن يكون بإمكانهم التحرّك بحرّية، ولا التّواصل وتوثيق الأخبار، وسيشعرون وكأنّ أجهزة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) التي يملكونها تُستخدم كسلاح في وجوههم.
ولا ينبغي علينا القبول بالحُجّة التي تقول بأنّ الشّركات ليست مسؤولة عن الكيفية التي تُستخدم فيها منتجاتها؛ فإنّها على علم أنّ لبعض الدّول سِجِل حافل بانتهاكات لحقوق الإنسان وتاريخ طويل من شنّ الهجمات على النّاشطين. وبالتالي، من المؤكّد أنّ هذه التكنولوجيا ستُستخدم لانتهاك حقوق الإنسان.
خطوات العمل
تستخدم دولة البحرين القوانين لقمع الحريّات المتبقّية كوسيلة “للانتقام السّياسي.” لذا بيعها تكنولوجيا تسمح لها بفعل هذا الأمر لن يجعل من العالم مكانًا أفضل. ومع وجود أكثر من 20 ناشطًا إلكترونيًّا في السجون الآن، وأكثر من 15 صحافيًّا ومدوّنًا في المنفى، علينا إطلاق حملة عالمية ضد بيع تكنولوجيا الراقبة للبحرين. وعلينا الاحتجاج بأنّه على الشّركات التي باعت هذه التكنولوجيا للحكومات تثبيتها عن بُعد. فمن خلال منح معلومات للرأي العام عن نوع التكنولوجيا المستخدمة، ومن خلال توفير التّدريب، سيتعلّم المواطنون كيفيّة حماية أنفسهم على الإنترنت.
وعلى مرّ الأعوام الستّة عشر الماضية، تمكّن البحرينيّون من تعليم أنفسهم كيفيّة تجنّب الرّقابة أو استخدام قنوات آمنة لنشطاتهم على الإنترنت. بيد أنّه ليس علينا الاعتماد عليهم بل الاستمرار بفهم تكنولوجيا الرّصد الجديدة التي دخلت الأسواق، والتمكن من محاربتها.
16 سبتمبر/أيلول 2014
http://bahrainmirror.com/news/18862.html