البحرين: السلطة تفرض قيوداً على الحريات الدينية وتتمادى في تدمير التراث الثقافي والتاريخي

mosque

مسجد البربغي، هدمته السلطة في مارس 2011 وتنوي تغيير موقعه التاريخي، ولا زالت تمنع الصلاة على أرضه

 

“في حالة قيام أية دولة بتدمير متعمد لتراث ثقافي ذي أهمية عظيمة بالنسبة للإنسانية، أو بالإمتناع عمداً عن إتخاذ التدابير الملائمة لحظر ومنع ووقف معاقبة أي تدمير متعمد لهذا التراث، سواء أكان هذا التراث، أم لم يكن، مدرجاً في قائمة تحتفظ بها اليونسكو أو أي منظمة دولية أخرى، فإنها تعتبر مسؤولة عن هذا التدمير وفقاً لما ينص عليه القانون الدولي.”

 البند السادس من إعلان اليونسكو بشأن التدمير المتعمد للتراث الثقافي[1]

 

يستنكر مركز البحرين لحقوق الإنسان سعي السلطة في البحرين لتقييد الحريات الدينية ومواصلتها استفزاز طائفة من المجتمع، وذلك من خلال منع الصلوات في أماكن المساجد التي هدمتها في2011، وكذلك استمرار السلطات في جريمة تدمير التراث الثقافي المتمثل في محاولة تغيير موقع مسجد تاريخي يفوق عمره 450 سنة. حيث منعت السلطات[2] للأسبوع الثاني على التوالي جموع المصلين من أداء الصلاة في موقع مسجد “أمير محمد البربغي” الكائن على يمين شارع خليفة بن سلمان المؤدي للعاصمة المنامة، وقمعت المصلين كما اعتقلت أحدهم. وتلا ذلك استدعاءات وتحقيقات مع بعض الشخصيات.

وتشير التفاصيل إلى أن دعواتٍ انطلقت من جهة شعبية لأداء صلاة الظهر في يوم السبت 28 ديسمبر 2013 في موقع مسجد “البربغي” التاريخي الذي يتجاوز عمره 450 سنة، وذلك بعد ورود أنباء مؤكدة عن نية السلطات تغيير موقعه الأصلي وإبعاده حوالي 30-100 متر للخلف، في استفزاز للمشاعر الدينية المرتبطة بقدسية موقع المسجد، عوضاً عن انتهاك حرمة الموقع كأثر ثقافي تاريخي.[3]

صور تبين السياج الحديدي الذي وضعته السلطة حول موقع مسجد "البربغي" المهدوم لمنع الصلاة فيهصورة للطوق الأمني المفروض لمنع تجمع المصلين

 قابلت الأجهزة الأمنية هذه الدعوات للصلاة بفرض سياج حديدي حول المكان إضافة إلى تواجد أمني مكثف على جميع المداخل المؤدية للمسجد بغية منع الجموع من الوصول للصلاة هناك. وأثناء محاولة البعض الصلاة قامت قوات النظام بقمع الجموع باستخدام الغاز المسيل للدموع وملاحقة المصلين بمركبات الشرطة ومحاولة دهسهم. وتمكنت القوات من اعتقال السيد هاشم علي أثناء توجهه للصلاة حيث بقي في الحجز  إلى أن تم الإفراج عنه في 31 ديسمبر 2013. كذلك جرى استدعاء المخرج التلفزيوني ياسر ناصر في 30 ديسمبر 2013 إلى مركز شرطة مدينة عيسى حيث تم اعتقاله ثم عرضه على النيابة العامة في اليوم التالي للتحقيق عن محاولة الصلاة في موقع مسجد البربغي. وخلال التحقيق سأل وكيل النيابة عن “وجود ترخيص لإقامة الصلاة في المكان”. كما طلب منه عدم الذهاب للصلاة في هذا المسجد مرة أخرى، “لأن بناء هذا المسجد مخالف لشروط وزارة البلدية وقد أصبح الآن منطقة أمنية”. وتم إطلاق سراحه بعد التحقيق.[4] وفي 31 ديسمبر 2013 تم استدعاء عالم الدِّين و رئيس اللجنة الشرعية بالمجلس الإسلامي العلمائي الشيخ فاضل الزاكي وتم التحقيق معه في مديرية الشرطة في مدينة عيسى بتهمة “المشاركة في تجمع غير مخطر عنه”، على خلفية محاولته إقامة الصلاة في موقع مسجد الأمير محمد البربغي.[5]

صور تبين توجه الجموع للصلاة بمسجد "البربغي" المهدوم وقوات النظام تحاول منعهم

يُذكر أن ما ضاعف من استفزاز مشاعر المصلين وجود عبارات نابية وطائفية مكتوبة على مرفق المياه الموجود في منطقة المسجد المحاطة بالسياج وهو ما يطرح أسئلة حول الفاعل في ظل الطوق الأمني المفروض على أرض المسجد منذ أسبوعين[6].

مجموعة من العبارات النابية التي كتبت على مرافق المسجد

وكانت الأجهزة الأمنية قد منعت الصلاة أيضاً في موقع المسجد في السبت الماضي 21 ديسمبر 2013 كذلك وأجبرت المصلين على التوجه إلى موقع آخر للصلاة، رغم أن الصلاة استمرت تُقام في الموقع خلال السنتين الماضيتين بعد هدم المسجد. وليس هذا القيد الأمني على مواقع المساجد المهدومة هو الأول من نوعه، فقد رصد مركز البحرين لحقوق الإنسان في تقرير سابق منع قوات الأمن في يونيو 2013 للصلاة في موقع مسجد تاريخي آخر هو مسجد أبوذر الغفاري الذي يفوق عمره الثلاثة قرون، والذي تعتزم السلطات تحويله إلى “حديقة” بعد أن قامت بهدم المسجد في عام 2011.[7]

وضع ألعاب في موقع مسجد أبوذر الغفاري تمهيداً لتحويله إلى حديقة

مسجد “أمير محمد البربغي” يقع في قرية مندثرة تعرف بـ “بربغي[8]“، وهو عبارةٌ عن مزار تاريخي قديم لشيخ جليل عرف بـ «الشيخ أمير محمد بربغي»، له قبر في المسجد. وتذكر مصادر مؤكدة أن تأسيس مسجد “البربغي” كان في عام [9]1549م أي أن وجوده يسبق دخول عائلة آل خليفة[10] للبحرين في عام 1783 بـ أكثر من 230 سنة. وقد قامت قوات النظام بمعية قوات درع الجزيرة بهدم المسجد[11] في 17 أبريل 2011 بعد قمع الاعتصام الكبير في ميدان اللؤلؤة وإعلان قانون الطوارئ الذي أسس لمرحلة جديدة من القمع والتنكيل بالشعب البحريني.

ويعتقد مركز البحرين لحقوق الإنسان أن تحويل موقع تاريخي تراثي وذا قدسية دينية إلى منطقة أمنية محظورة هو انتهاك خطير لإلتزامات البحرين بالحفاظ على التراث الثقافي وصون المناطق التاريخية بحسب ما نصت عليه اتفاقيات وتوصيات اليونسكو، يضاف إلى الانتهاك السابق بهدم المسجد، ويشير إلى نوايا محو الهوية التاريخية للمكان. كذلك فإن تقييد الصلاة في موقع مسجد والعمل على تغيير الموقع إلى بناء آخر أو إلى مكان آخر ينطوي على انتهاك للحريات الدينية.

ينص إعلان اليونسكو بشأن التدمير المتعمد للتراث الثقافي على أن “أن التراث الثقافي عنصر هام للذاتية الثقافية للمجتمعات والجماعات والأفراد، وللتماسك الإجتماعي، وأن تدميره المتعمد تترتب عليه، من ثم، نتائج ضارة بالكرامة البشرية وبحقوق الإنسان.” كما تذكر توصية اليونسكو بشان صون المناطق التاريخية أن “المناطق التاريخية تشكل تراثاً عقارياً كثيرا ما يؤدي تدميره إلى اضطرابات اجتماعية.”[12]

وتشير الإجراءات الأمنية المتخذة ومحاولة السلطة تغيير هوية المكان التاريخية بالقوة إلى مخالفة واضحة للبند الرابع من إعلان اليونسكو بشأن التدمير المتعمد للتراث الثقافي[13] الذي ينص على أنه “ينبغي للدول عند القيام بأنشطة أن تتخذ جميع التدابير الملائمة من أجل أن تتم على نحو يكفل حماية التراث الثقافي، ويتفق بوجه خاص مع (..) توصية عام 1976 بشان صون المناطق التاريخية ودورها في الحياة المعاصرة.”

وفي سياق تغيير الهوية التاريخية كان حاكم البحرين حمد آل خليفة قد قال في خطاب[14] له في 16 ديسمبر 2013 أن قبيلة آل خليفة قد جاءت في عام 1738 م للبحرين وقد دخلت الدولة في الإسلام بعد وصول القبيلة. وفي تصريح لاحق نفى ان تكون هناك “في الوثائق، ولا في التاريخ، ما يدل على عكس ذلك”.[15] بينما تؤكد الكثير من الشواهد بما فيها موقع وزارة الثقافة البحريني[16] أن البحرين كانت إسلامية منذ عهود الإسلام الأولى -629 م- وقد دخلت للدين الإسلامي طواعيةً ودون حروب بعد رسالة النبي محمد (ص) لحاكم البحرين آنذاك “المنذر بن ساوى التميمي”. (صورة الرسالة الموجودة في متحف البحرين الوطني)

وقال السيد يوسف المحافظة –نائب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان- إن  حاكم البحرين حمد آل خليفة هو المسئول الأول عن جريمة تدمير التراث الثقافي في البحرين المتمثلة في هدم المساجد التاريخية[17] وتزييف الحقائق، مضيفاً: “لم تكتفي قوات النظام المسلحة بهدم المساجد لكنها لاتزال مستمرة في محاولة محو آثارها بمنع الصلاة بالقوة في موقع مسجد يحمل هذه الصفة منذ أكثر من 450 سنة.”

ويرى مركز البحرين لحقوق الإنسان أن هذه الممارسات الممنهجة والتمييز ضد الطائفة الشيعية تؤكد ما يذهب له النشطاء من الحديث عن التضييق الممنهج على ممارسة الحريات الدينية (انظر المزيد من المعلومات في الأسفل) ويتوافق مع ما ذكره تقرير وزارة الخارجية الأميركية[18] حول الحريات الدينية في البحرين. كما أن ذلك يعد مخالفة صريحة للمادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على أنه “لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة“.

وإن مركز البحرين لحقوق الإنسان إذ يحمل السلطة في البحرين مسئولية ما قد تؤول له الأمور في حال أصرت على انتهاج العنف الرسمي كوسيلة لمواجهة الممارسات الدينية والإصرار على الاستمرار في جريمة تدمير التراث الثقافي والتاريخي والديني، فإنه يدعو الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والأمم المتحدة وجميع حلفاء السلطة المقربين والمؤسسات الدولية ذات الصلة إلى التالي:

  • الضغط على السلطة في البحرين لمراعاة وصيانة حقوق الإنسان لا سيما تلك المتعلقة بصيانة التراث الثقافي والتاريخي والمحافظة على المناطق التاريخية وكذلك ما يتعلق بحرية الدين وممارسة الشعائر.
  • محاكمة البحرين دولياً على انتهاكاتها المستمرة والمتكررة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذين صادقت عليه مسبقاً وإنتهاكها لما تعهدت به من حماية التراث الثقافي.

كما يدعو السلطة في البحرين للتالي:

  • الكف عن استهداف الحريات الدينية
  • التوقف عن سياسة تدمير التراث الثقافي والهوية التاريخية لمناطق البحرين
  • التوقف عن سياسة التمييز الطائفي
  • إعادة بناء المساجد المهدومة في مواقعها الأصلية
  • محاسبة جميع المتورطين في الإنتهاك المتمثل بهدم المساجد وقمع التجمعات الدينية سواءً بالإشراف و/أو الأمر وعرضهم للمساءلة، ولا سيما ذوي المناصب الرفيعة

 

معلومات إضافية:

 

قامت قوات النظام بمعية قوات درع الجزيرة بحملة هدم لمساجد الطائفة الشيعية في عام 2011 بعد قمع الاعتصام الكبير في ميدان اللؤلؤة وإعلان قانون الطوارئ الذي أسس لمرحلة جديدة من القمع والتنكيل بالشعب البحريني. وقد شهدت تلك الفترة هدم ما يقارب 35 مسجداً للشيعة[19] من بينها مساجد تاريخية يفوق عمرها 400 سنة في تحدٍ واستفزاز واضح لمشاعر طائفة من المجتمع. وقد ذكر تقرير لجنة تقصي الحقائق[20] –لجنة بسيوني- التي عينها حاكم البحرين حمد آل خليفة أن هدم المساجد يعد عقاباً جماعياً استهدف طائفةً بعينها:

” وأن معظم هذه المنشآت هي منشآت دينية شيعية – من الطبيعي أن يُنظر إليه باعتباره عقابًا جماعيًا من شأنه أن يؤجج التوتر بين الحكومة والمواطنين الشيعة”[21]

وتشهد البحرين بين فترة وأخرى استفزازات واضحة لتاريخ الشعب الأصلي وطائفته، حيث تعرضت عدد من المساجد للطلق المتعمد والتخريب[22]، بل تعرض بعضها للاستهداف بالغاز المسيل للدموع انتقاماً وتشفياً. هذا وترعى السلطة في البحرين التحريض الطائفي من خلال اختلاق قضايا تهدف فيها إلى ضرب المكونات الشعبية ببعضها كما حدث في قضية تفجير مسجد الرفاع[23] المزعوم. كما تكرر في مناسبات متعددة اعتداءات على المواكب الدينية كان آخرها اعتراض موكب عزاء بتاريخ 20 ديسمبر 2013 حيث كان المعزون يحيون ذكرى مناسبة شيعية.[24]

صورة لقوات النظام وهي تعترض موكب العزاء

 

 


[21] تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق, البند 1334