آلاء الشهابي: تم اختطاف زوجي بواسطة قوات الأمن البحرينية

رسالة كتبتها آلاء الشهابي لموقع الجزيرة الانكليزية
ترجمة: RedSky446

للمرة الأولى في تاريخها؛ بدأت البحرين بمحاكمات عسكريَّة جماعيَّة للمئات من المدنيين على تهمٍ سخيفةٍ تنص على ارتكابهم جرائم ضد الدولة. وفي حين أن هنالك أكثر من ألف شخص لا زالوا رهن الاعتقال تقدِّر المعارضة بأنَّ 400 شخص منهم يُحاكَمون في محاكم عسكريَّة وتمت إدانة 100 شخص منهم حتى الآن. إن القضاء المستعجل السريع الذي أسفرت عنه هذه المحاكمات يذكِّر بالمحاكمات الصورية التي أجراها ستالين في بداية القرن العشرين، والتي صمَّمها لمعاقبة وإذلال المنشقّين عنه. واحدٌ من الأشخاص الذين يتم محاكمتهم هو زوجي غازي فرحان، والذي تلقى حكماً بالسجن لمدة 3 سنوات في الحادي والعشرين من شهر يونيو.

رسالة كتبتها آلاء الشهابي لموقع الجزيرة الانكليزية
ترجمة: RedSky446

للمرة الأولى في تاريخها؛ بدأت البحرين بمحاكمات عسكريَّة جماعيَّة للمئات من المدنيين على تهمٍ سخيفةٍ تنص على ارتكابهم جرائم ضد الدولة. وفي حين أن هنالك أكثر من ألف شخص لا زالوا رهن الاعتقال تقدِّر المعارضة بأنَّ 400 شخص منهم يُحاكَمون في محاكم عسكريَّة وتمت إدانة 100 شخص منهم حتى الآن. إن القضاء المستعجل السريع الذي أسفرت عنه هذه المحاكمات يذكِّر بالمحاكمات الصورية التي أجراها ستالين في بداية القرن العشرين، والتي صمَّمها لمعاقبة وإذلال المنشقّين عنه. واحدٌ من الأشخاص الذين يتم محاكمتهم هو زوجي غازي فرحان، والذي تلقى حكماً بالسجن لمدة 3 سنوات في الحادي والعشرين من شهر يونيو.

بعد أن وُلِدتُ وتعلَّمتُ في المملكة المتَّحدة؛ انتقلتُ للبحرين في عام 2009 لأتزوَّج من غازي فرحان رجل الأعمال النشيط الذي يبلغ من العمر 31 عاماً، تاركةً بذلك وظيفة محترمة في جامعة كامبريدج لأبدأ حياة عائلية جديدة في أرض أجدادي. لم أكن أتصوَّر أنه في عام 2011 عندما ارتطم الربيع العربي بشواطئ هذه الجزيرة أنه سيتم وأدهُ في مهده بهذه السرعة، وأنه سيجرف عائلتي المزهرة معه.

في الثاني عشر من شهر أبريل الماضي وفي طريق عودته من استراحة غدائه؛ تم اختطاف زوجي من موقف السيارات التابع لمكتبه. تم تعصيب عينيه وتقييد يديه واقتياده بواسطة رجال مجهولين يرتدون ملابس مدنيَّة. وبعد حوالي 48 يوم؛ استُدعِيَ ليمثل أمام ما يُسمَّى بالطريقة الأورويلية بـ “محكمة السلامة الوطنيَّة”، وهي محكمة عسكريَّة، حيث تم اتهامه بالمشاركة في تجمع غير قانوني يضم أكثر من 5 أشخاص (بعد أن زار دوَّار اللؤلؤة) وبنشر معلوماتٍ خاطئةٍ على شبكة الإنترنت (بالإشارة إلى تعليقٍ واحدٍ على موقع فيسبوك). في ذلك المكان بدأت محنة استثنائيَّة بمحاكمة غازي العسكريَّة وبالحكم عليه.

استخدام كتاب ستالين المدرسي

قام جوزيف ستالين بتدشين “المحاكم الصوريَّة” -وهي محاكمٌ عسكرية سرية تتجاوز السلطة القضائية-، وذلك في أثناء حملة التطهير الأعظم التي قام بها في الثلاثينات من القرن الماضي. يبدو بأن البحرين قد أخذت بشكلٍ صريحٍ فصلاً من كتاب ستالين المدرسي، والذي ينص على أنَّه يتم تحديد الأحكام سلفاً ومن ثمَّ يتم تبريرها بواسطة الاعترافات المنتزعة بالإكراه والتي يتم الحصول عليها من خلال التعذيب والتهديدات الموجَّهة لعوائل المعتقلين. الإضافة الوحيدة الجديدة على هذا الفصل هي أنَّ حكومة البحرين قد أصرَّت منذ الثمانينات على بث هذه الاعترافات المسجَّلة على تلفزيون الدولة الرسمي، وغالباً ما تصاحب هذه الاعترفات اعتذار المتَّهم للملك. آيات القرمزي وهي شاعرة تم الحكم عليها بالسجن لمدة سنة واحدة لإلقائها لقصيدة ناقدة للملك تم بث اعتراف مماثل لها، والذي من المحتمل أن يكون تمهيداً لأن تحصل على نوعٍ من العفو الملكي.

التقارير الموثوقة الصادرة من المعتقلات التي تم إطلاق سراحهن واللواتي كُنَّ محتجزاتٍ مع آيات قالت بأنَّه تم إدخال فرشاة المرحاض بالقوَّة في فمها. كل الذين تتم محاكمتهم حالياً هم “خائنون للوطن”، هكذا ما تقوله الدعاية الإعلامية القاسية والمنتمية لخطاب الكراهية، والتي تُنشَر بكثافة على وسائل إعلام الدولة. هذا فصلٌ من دليل الطاغية العربي والذي من الممكن أن يكون قد كُتِب بواسطة غوبلز. الأجهزة الإعلاميَّة وصفت المتاظهرين على أنَّهم “نملٌ أبيض”، والشيعة على أنَّهم “المجموعة الشرِّيرة”، لقد قاموا بتجريد “الآخر” من إنسانيَّته وصوَّروه على أنَّه يستحق معاملة أسوء من الحيوانات.

منذ شهر مارس حصل المئات من الأشخاص على خبرةٍ ممثالةٍ لما حصلتُ عليه. هناك عدة مراحل للمحنة التي هي مؤلمة بشكل خاص لكل من مرَّت به. المرحلة الأولى هي الاعتقال المفاجئ، عن طريق هجومٍ عند الفجر أو في نقطة تفتيش، أو في بعض الحالات في مكان العمل، حيث يتم بعدها اقتيادهم إلى موقعٍ مجهولٍ بواسطة قوَّاتٍ مجهولةٍ ولمدَّةٍ طويلةٍ من الزمن، وفي حالة غازي كانت الفترة 48 يوماً.

معاناة العائلات

لقد قارنتُ هذا الشعور بشعور فقدان طفلٍ في السوبرماركت. بعد ذلك تكتشف بأن المعتقلين أُخِذُوا كرهائن بواسطة القوَّات التي غالباً ما تتوقَّعُ أن تطلب الحماية منها، ويكون لديك خوفٌ مُبرَّرٌ من انتهاك معاملة الضحيَّة وتعذيبها وربَّما موتها حتَّى. في ذروة حملة القمع قُتِلَ أربعة رجال كانت الشرطة تحتجزهم؛ وذلك في خلال فترة تسعة أيام. في أغلب الأحيان تنكر الشرطة بأنَّ لديها أي سجل أو أيَّة معرفة بالشخص عندما تحاول عائلته تحديد مكانه، وهذا من الممكن أن يكون حقيقياً لوكالة الأمن القومي التي تعد منظَّمة دولية لديها القدرة على أن تفعل ما تشاء وتمتلك الحصانة الكليَّة. في قضيَّة زوجي؛ قرأتُ تأكيداً على اعتقاله على موقع تويتر بعد ساعاتٍ قليلة. هكذا هي الطريقة التي تُستَخدم بها هذه الوسيلة الاجتماعية الإعلامية الرائعة حالياً وذلك من قبل الأجهزة الأمنية ذاتها التي تقود حملة القمع الوحشي على الناس ذاتهم الذين استخدموا هذه التقنية للتحشيد والنشر والانتقاد العلني.

وبعد أن تعيش الأمل من أن المعتقلين سيُطلق سراحهم بدون توجيه تهم لهم؛ تأتي المرحلة الثانية للمحنة والتي كانت تزعج العائلة بشكلٍ خاصٍ حيث يتم سحب الضحيَّة بشكلٍ مفاجئٍ إلى المحكمة العسكريَّة ويتم توجيه التهم إليها. القليل جداً هو من يحظى بفرصة الاتصال بعوائلهم أو طلب محامي بشكل مسبق.

مباني المحاكم العسكريَّة في الرفاع جديدة نسبياً حيث تم بناؤها في عام 2007، ويتساءل الفرد حول ما إذا كانت قد بُنِيَت حينها لاستخدامها للغرض التي تُستَخدم لأجله حالياً. عند الدخول، يتم السماح لشخص واحد فقط بحمل بطاقة الهوية التابعة للمعتقلين، ومن غير أن يحمل هذا الشخص ساعة يد أو ورقة أو قلم أو مجوهرات، ولا حتَّى خاتم الزواج. كنتُ قد اضطررتُ إلى أن أنزع غطاء رأسي وأقراطي أثناء التفتيشان الإلكتروني واليدوي شديدا الدقَّة. في كل بضعة أمتار في ممرات وغرف المحكمة كان يقف ضابط في الجيش. هذا المبنى الذي يضم قاعتي محكمة فقط كان من الواضح أنَّه لم يُصمَّم للتعامل مع هذا العدد من المحاكمات في يومٍ واحد. المعتقلات الإناث يتم احتجازهنَّ في غرفة المحامين بسبب قلة المساحة المتوفِّرة، أما المعتقلون الذكور فيتم جعلهم يقفون تحت الشمس بسبب الازدحام الموجود في زنزاناتهم، ويضطرُّ المحامون أن يتسكَّعوا في الممر بما أن غرفتهم مشغولة بالمعتقلات الإناث.

غرفة الإنتظار ممتلئة ومكتظة بالأمهات و الأخوات والزوجات اللواتي لم يقمن برؤية أحبابهن لأشهر، القلق الكبير جداً كان على حواجبهن، والنوبات العاطفيَّة تم كبتها بشكل متكرر وسريع. كنتُ قد تلقيتُ نصيحةً ودودة من امرأةٍ كانت في جلستها الأخيرة: “اجعلي قلبكِ قويَّاً يا عزيزتي، المرة الأولى التي سترينه فيها ستكون قاسية. إذا سمعوكِ وأنتِ تقومين بالأنين حتى فسوف يتم إخراجكِ، مثلما حدث معي”.

فليساعد الله المذنب

هناك فترة انتظار طويلة قبل أن تبدأ الجلسات عادةً، ومع عدم وجود ساعات يدٍ أو ساعات حائط؛ يبدو الإنتظار وكأنه لا نهائي. تمكنتُ من إلقاء نظرةٍ خاطفةٍ على منطقة الاحتجاز بينما كان ضابط في الجيش يفتح الباب، ورأيتُ المتَّهمين يصطفون بقرب جدران غرفة الاحتجاز وهم يقابلون الجدران في صمت. مصيرهم مُقرَّر هُنا؛ ليس بواسطة الله ولكن بواسطة قاضٍ عسكري لا يملك الشفقة. كيف تبدو وماذا تقول وماذا تفعل وكيف تشعر هي أشياء يتم التحكُّم بها بصرامة هنا. رؤوسهم محلوقة، وهم يعرفون الكلمات التي يُسمَح لهم بنطقها. القاضي لديه حزمة من القضايا التي تلوح في الأفق وهو يحتاج إلى أن ينتهي منها بسرعة ومن غير تباطؤ خلال الساعات القادمة.

عندما مثل غازي لأوَّل مرة أمام المحكمة كان مصدوماً وحائراً بشكل يمكن رؤيته، حيث يتم المضي به فجأةً إلى قاعة المحكمة أمام ثلاث قضاة يقرأون عليه تهماً جديَّة تسمعها للمرَّة الأولى، ويتم إخباره بأن يقول ما إذا كان مذنباً أو غير مذنب بينما يقوم بالتغلُّب على العواطف الناتجة عن إلقاء نظرة خاطفة على أحبائه الذين لم يرهم منذ فترة طويلة كان هذا مؤثراً بشكلٍ هائل. كان قد فقد 10 كيلوجرامات على الأقل من وزنه، وكانت عيونه محتقنة، وكان هناك علامات حمراء حول يديه نتيجة الجلوس لعدَّة ساعات مع تعصيبه وتقييده. إذا كان الرجال الأبرياء يُعاملون بهذه الطريقة إذن فليساعد الله المذنبين.

هذا المشهد بأكمله تم تصميمه للإهانة والعقاب والإذلال، وهل كانت العدالة العسكرية للمدنين تسعى في أي وقتٍ مضى لتحقيق شيءٍ غير ذلك؟ عندما تدخل المحاكم تدرك بأنَّها هي أداة للقمع. أصبح من الواضح لي أن الأحكام معدَّة مسبقاً، وأن المحاكمات ليست سوى لإضفاء طابع بسيط جداً من الشرعيَّة، فعلى الرغم من الجهود القصوى المبذولة من محامينا لتقديم دفاعٍ قوي، تم إصدار أكبر حكم ممكن، حيث كان القرار الصادر في الحادي والعشرين من يونيو يقول بأن غازي مذنب بكل التهم الموجَّهة ضده، وأنه يُحكَم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات.

هذا القرار المعد مسبقاً هو المرحلة الثالثة من المحنة التي ذاقها الكثيرون. كنتُ قد توقعتُ الأسوء في هذه المرحلة. الإهمال الكامل لالتماس الدفاع القوي الذي قدَّمه المحامي هو دليل على الدوافع السياسية وراء قرار القاضي. حقيقة أن غازي لم يكن قادراً لمرة واحدة على استشارة محاميه قبل المحاكمة هي انتهاك للإجراءات القانونية الأصولية منذ أن كان الحكم معدَّاً مسبقاً. المحامي نفسه أخبرني بأنه يشعر بأنه يتم استغلاله كدعامة لتقوية هذه المحاكمات المنظَّمة، وأخبرني بأنَّه يجب علينا أن نمارس عملنا لإرضاء وعينا الخاص. كم هي درامية بشكل غريب كل هذه الأشياء.

قضيَّة من بين القضايا

في واحدة من الجلسات التي حضرتُها، كان هناك مجموعة من القضايا التي تبدو سخيفة والموجودة إلى جانب قضية غازي. من هذه القضايا هي قضية لاعب كمال أجسام متهم بمهاجم مقيم آسيوي، وقضية ثلاثة من الشبَّان البدناء متهمين بقذف الحجارة، وقضية رجل اعترف على أنه مذنب بتهمة قيادة السيارة بسرعة عند نقطة تفتيش، وقضية مصور فوتوفرافي متهم بفبركة الصور.

وكما هو الحال في عهد ستالين؛ حملة تطهير مثل هذه تحتاج إلى محاكمات صورية خاصة بها. المحاكمة الأولى في المحاكمات الصورية الرئيسيّة والتي اختتمت مؤخراً وتضمن أحكاماً بالسجن المؤبد هي محاكمة واحدٍ وعشرين شخصاً من زعماء المعارضة الرئيسيين المتهمين بالتآمر لإسقاط النظام. المحاكمة الثانية والتي هي من وجهة نظري بغيضة بشكل أكبر بكثير، هي محاكمة سبعة وأربعين من العاملين في المجال الصحي -من ضمنهم أفضل الاستشاريين في البحرين- ومرةً أخرى تحت تهمٍ سخيفةٍ بمحاولة إسقاط النظام ومن المتوقع أيضاً أن يتلقوا أحكاماً قاسية. على الرغم من أن محاكمة زوجي هي بسيطة نسبياً إلا أن الجميع يتقاسم المحنة الشخصية التي وصفتُها.

المحاكم العسكرية يجري استخدامها على أنها الأداة الأساسية لتحقيق العدالة السياسية من أجل إضفاء طابع الشرعية، والإجراءات القانونية الأصولية معدَّلة من أجل السرعة والفعالية. استخدام التعذيب وحتى القتل في مكان يقع تحت سيادة القانون يشير إلى أن استخدام المحاكمات العسكرية هو أمرٌ تكتيكي. هذا هو ما يجعل استخدام العدالة العسكرية أمراً جذاباً للحكام المتسلطين الذين يسعون للحصول عى منتدى مُعظَم نتائج جلساته معدَّة مسبقاً.

اليوم يتم سحب نخبة النخب في المجتمع البحريني إلى المحاكم العسكرية. أطباء وممرضون يُعاقبون على معالجة المتاظهرين، معلِّمون ومهندسون يُعاقبون على المشاركة في إضراب وطني عن العمل، لاعبو كرة قدم يُعاقبون للمشاركة في التظاهرات، أكاديميون وصحفيون وطلاب ورجال أعمال كلهم يتم سحبهم إلى محنة هذه المحكمة العسكرية، وكما قالت شهادة منظمة هيومن رايتس ووتش، هذا هو “استهزاءٌ بالعدالة”.

يجب حل هذه المحاكم العسكرية ويجب إطلاق سراح سجناء الرأي فوراً. هذه المحاكمات الصورية تقوض سيادة القانون من خلال التعزيز القوي لشعور النظام بالقوة والسيطرة وبقاء هذه المحاكمات ليس ممكناً. العدالة يجب أن تسود لكي يوجد السلام والأمن في هذه الجزيرة.

المقال الأصلي: http://english.aljazeera.net
موقع الترجمة: feb14translator.blogspot.com