ليسوا‌ ‌أرقاماً!‌

يحل شهر رمضان هذه السنة في البحرين  في أجواء من الإفراجات عن معتقلين قضوا سنوات طويلة في السجون. ففي ظل تفشي فيروس كورونا في السجون ووصول عدد المصابين إلى حوالى 90 حالة مصابة وسط أعداد كبيرة من المسنين والمصابين بالأمراض المزمنة، أعلنت السلطات البحرينية نيتها إطلاق 126 سجيناً ثم 73 آخرين، على أن يقضي غالبيتهم ما تبقى من فترة محكوميتهم خارج السجن.

وفي وقت متأخر من مساء 9 أبريل 2021، رصد مركز البحرين لحقوق الإنسان إفراج السلطات الأمنية عن 40  معتقلاً سياسياً. وأتت هذه الإفراجات ضمن قائمة أعلنت النيابة العامة أنها ضمن إطار تنفيذ قانون العقوبات البديلة.

ولأن المفرج عنهم لا يمثلون أرقاماً فقط، بل شخصيات شاركت في المشهد السياسي والمدني وفي التعبير عن المطالب الشعبية أيضاً، شملت الإفراجات عدد من المعتقلين الذين يمثلون شريحة ونموذج من أشكال وأسباب الاعتقالات التي شهدتها البحرين بعد الاحتجاجات في 2011. 

ومن بين أبرز المفرج عنهم الناشط محمد جواد برويز  (75 عاماً) الذي قضى نحو عشر سنوات في السجن وهو خال الناشط الحقوقي البارز نبيل رجب. حكمت المحكمة عليه بالسجن 15 عاماً في محاكمة عسكرية افتقرت لأدنى مقومات المحاكمات العادلة، ضمن مجموعة النشطاء المعروفة بمجموعة الرموز 13. بالرغم من إعادة محاكمته في محكمة مدنية، أيدت المحكمة الحكم، بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم والتعاون مع المنظمات الإرهابية، وهي تهم أنكرها. فنص ما قاله أمام المحكمة جاء فيه ” أقف بين أيديكم للمحاكمة وأنا أؤكد أنني لا أنتمي لحزب أو جمعية سياسية أو غير سياسية بل لا أعتبر نفسي بأني سياسي، وكنت من بين آلاف من أبناء الشعب أشارك في المسيرات السلمية المطالبة بالإصلاح ولم أمارس العنف وليس لدي علاقة بأي تنظيم، وليس لي علاقة بقلب نظام الحكم، وإن التهمة لي بجمع الأموال إلى التنظيم لا أساس لها من الصحة”.

 برويز الذي يعتبر السجين السياسي الأكبر سناً ينشط في مجال حقوق الإنسان في البحرين، إذ  بدأت مسيرته الحقوقية منذ عقود، اهتم بالدفاع عن حقوق المعتقلين، وكان يدعو للإفراج عنهم وتحسين ظروف سجنهم. كما كان برويز ناشطاً في المشاركة في المظاهرات والاعتصامات المطالبة بالإصلاحات، وكان ينادي بوقف الممارسات المنتهكة لحقوق الإنسان، كالتعذيب والظروف السيئة في السجن وغيرها. تعرض لأكثر من مرة للاعتقال والاحتجاز التعسفي وقامت قوات الأمن بتعذيبه، كما تم تهديده ومقاضاته.
في 22 مارس 2011، اعتقل من نقطة تفتيش. طلبوا منه النزول من السيارة ثم انهالوا عليه بالضرب، قبل أخذه إلى مركز الشرطة معصوب العينين ومكبل اليدين. لأسابيع طويلة، قامت قوات الأمن بتعذيبه بالضرب والتعليق والصعق الكهربائي وإجباره على الوقوف لفترات طويلة. منع من التواصل مع عائلته ومحاميه وظل تحت الإخفاء القسري لأسابيع قضى معظمها في الحبس الانفرادي. لا يزال الناشط برويز يعاني نتيجة التعذيب من آلام ومضاعفات جانبية، بالإضافة لذلك يعاني من أمراض أخرى تتطلب الرعاية الطبية المستمرة والدائمة، ومنذ اعتقاله تعرض لانتكاسات في صحته تطلبت نقله للمستشفى عدة مرات. بدأت السلطات باستهدافه منذ الثمانينات، حيث عملت على منعه من الحصول على عمل في البحرين، فقضى سنوات عمره ينتقل بين دول الخليج ليؤمن رزقه. كما استهدفت أهله، فقد تعرض ابنه حسين برويز للاعتقال والتعذيب لعدة مرات. 

ومن أبرز المفرج عنهم كان السيد كامل الهاشمي، إذ أفرجت السلطات الأمنية، في 9 أبريل 2021، عن السيد الهاشمي والذي كان قد حكم بالحبس لمدة 3 سنوات، قضى منها أكثر من عامين ونصف. وكان محكمة أصدرت حكماً في العام 2016 بسجن عالم الدين الهاشمي لمدة ثلاث سنين، بعد أن نشر تعليقا على حسابه في “انستغرام” انتقد فيه الحكومة بسبب اعتقال الخطباء، لكنه بدأ تنفيذ الحكم في العام 2018.    وكانت المحكمة الكبرى الجنائية الثانية الاستئنافية قد حكمت بحبسه لمدة 3 سنوات عن تهمتي “إهانة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة في خطبة جمعة بمسجد في باربار ومأتم ببني جمرة” و”التحريض على بغض طائفة”. وقضت المحكمة بحبسه سنتين عن التهمة الأولى وسنة عن التهمة الثانية. وقبل الإفراج عنه بأيام أصيب بنوبة قلبية حادة ناجمة عن ارتفاع ضغط الدم نُقل  على أثرها إلى المستشفى العسكري لإجراء قسطرة قلبية، حيث مُنعت عائلته من رؤيته في المستشفى وتم إبلاغهم فقط أنه على ما يرام، وسيعاد إلى السجن. 

ما هو شعورك أن تكون حراً لساعات لتعود خلف القضبان؟ هذا ما حصل مع الناشط ميثم زهير، إذ تم الإفراج عنه ضمن  قانون “العقوبات البديلة”. تم إرجاعه إلى سجن جو المركزي لوجود حكم غيابي ظالم ضده بالحبس لمدة 5 سنوات. ومنذ حوالى السنة،  في 20 فبراير 2020  تم نقله إلى مجمع السلمانية الطبي مقيداً بالحديد والسلاسل.  يعتبر زهير أحد ضحايا فض الاعتصام السلمي في منطقة الدراز محكوم لمدة 12 سنة كان يقضي عقوبته في سجن جو مبنى 21. 

خلف قضبان السجون قضى شباب ربيع عمرهم لمجرد تعبيرهم قولاً عن مطالبتهم بالحرية في هذا الوطن. العسكريّ الذي دخل إلى السجن بعمر الـ 25 خرج اليوم بعمر الـ 34. المفرج عنه علي جاسم الغانمي، الشرطي الذي انتسب إلى الشرطة  تعاطف مع ضحايا الاحتجاجات مما تسبب في اعتقاله والحكم عليه بالسجن. انخرط الغانمي في احتاجات 2011 إذ طالب بوضع حد للعنف الذي تمارسه قوات الأمن ضد المحتجين السلميين. لقد كان واحدا من بين 124 عسكرياً انضموا إلى الاحتجاجات. في مايو 2011، قامت السلطات  بمهاجمة مبنى في بني جمرة واعتقلت الغانمي وآخرين. وقد تعرض في السجن إلى التعذيب، والشتم والحبس الانفرادي. وجهت له الحكومة اتهامات بينها التجمهر والتحريض على كراهية النظام، وتحريض العسكريين، والاتصال بقنوات تلفزيونية والتغيب عن العمل، وحُكِم عليه بالسجن لمدة 13 عاما والتسريح من الخدمة.