مع انطلاق أعمال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، يؤكد مركز البحرين لحقوق الإنسان على الحاجة الملحّة لإعادة تسليط الضوء الدولي على أزمة حقوق الإنسان المتفاقمة في البحرين. وبينما تستمر الأزمات العالمية، لا يجب أن يتم تجاهل القمع المنهجي للحريات داخل البحرين أو اعتباره مسألة هامشية.
لطالما قدّمت البحرين نفسها كدولة مستقرة ومنفتحة على الإصلاح، لكن خلف هذا الخطاب الرسمي تكمن حقيقة مؤلمة: بلدٌ تم فيه تفكيك الفضاء المدني، وتجريم أصوات المعارضة، وسحق كل أشكال التعبير السلمي عن الرأي. ولا تزال حكومة البحرين تنتهك التزاماتها بموجب القانون الدولي، وخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، من خلال استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمعارضين السياسيين والمواطنين الذين يمارسون حقوقهم الأساسية.
ويشارك مركز البحرين لحقوق الإنسان في هذه الدورة ويستضيف فعالية جانبية تركز على الإغلاق التام للفضاء المدني في البحرين، وتجريم المعارضة، والحاجة الملحة للمساءلة الدولية. وتجمع هذه الفعالية أصواتاً من المجتمع المدني البحريني وحلفائه الدوليين لتسليط الضوء على القمع المستمر.
الانتهاكات المستمرة تشمل
حرية التعبير:
تجرّم السلطات البحرينية التعبير السلمي باستخدام قوانين فضفاضة، مثل “نشر أخبار كاذبة” و”التحريض على كراهية النظام” و”إهانة الملك”. ويتم استدعاء واعتقال ومحاكمة المواطنين بشكل روتيني بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. ففي عامي 2024 و2025 وحدهما، تم احتجاز العشرات بسبب انتقاداتهم للسياسات الحكومية أو توثيقهم للتمييز الديني أو إعادة نشرهم لمحتوى حقوقي.
وقد تم تأكيد استهداف عدد من أعضاء مركز البحرين لحقوق الإنسان ونشطاء مدنيين آخرين ببرمجية “بيغاسوس” للتجسس، ما يكشف عن استخدام الدولة لأدوات تكنولوجية متقدمة لمراقبة وترهيب النشطاء.
حرية التجمع السلمي:
لا تزال المظاهرات محظورة في العاصمة منذ عام 2013، وتُقابل الاحتجاجات في المناطق ذات الغالبية الشيعية بالقوة المفرطة والاعتقالات الجماعية والتخويف. وقد تم احتجاز أطفال لا تتجاوز أعمارهم 13 عاماً لمشاركتهم في مسيرات سلمية.
كما أن الحق في التجمع الديني يتعرض لانتهاكات ممنهجة. ففي منطقة الدراز، تواصل السلطات فرض قيود على صلاة الجمعة، عبر إغلاق الطرق ومنع السكان من الوصول للمنطقة، ومضايقة المصلين. ويعكس هذا النمط من التضييق سياسة تمييز طائفي ممنهجة.
حرية الصحافة وقمع الإعلام:
منذ إغلاق صحيفة الوسط المستقلة قسراً في عام 2017، لم يعد في البحرين أي وسيلة إعلامية مستقلة.
ويواجه الصحفيون المستقلون الرقابة والملاحقات القضائية والنفي والمراقبة. وقد اضطُرت الصحفية نزيهة سعيد، التي تعرضت للتعذيب عام 2011، إلى مغادرة البلاد قسراً.
وتحتل البحرين اليوم مرتبة متدنية للغاية في مؤشرات حرية الصحافة العالمية.
العزل السياسي ومحاربة المشاركة العامة:
يحظر قانون العزل السياسي الصادر عام 2018 (القانون رقم 25) على قادة المعارضة السابقين، وسجناء الرأي، وأعضاء الجمعيات السياسية المنحلة الترشح للمناصب أو الانضمام إلى المجالس أو النقابات أو المؤسسات العامة.
وقد حُرم أكثر من 100,000 مواطن من حقوقهم السياسية، ما جعل البرلمان البحريني فعلياً مؤسسة بلا معارضة حقيقية.
وتظل شخصيات بارزة مثل فريدة غلام وجليل يوسف، رغم عدم صدور أي إدانات جنائية بحقهم، ممنوعين من أي مشاركة في الشأن العام، في شكل من أشكال الإقصاء السياسي والاجتماعي.
استهداف المدافعات عن حقوق الإنسان:
تتعرض المدافعات عن حقوق الإنسان للمنع من السفر، والمراقبة، والتشهير، والتهديدات. وقد تم استهداف العديد منهن ببرمجية “بيغاسوس” للتجسس.
ورغم رفع بعض قرارات حظر السفر، إلا أن الأضرار بعيدة المدى لا تزال قائمة.
ولا تزال المدافعات مثل ابتسام الصايغ، وجليلة السلمان، وزينب خميس، وإيناس عون يواجهن قيوداً على حياتهن المهنية والشخصية.
نداء مركز البحرين لحقوق الإنسان إلى المجلس
يدعو مركز البحرين لحقوق الإنسان مجلس حقوق الإنسان إلى إعطاء الأولوية لتدهور حالة حقوق الإنسان في البحرين، والتأكيد على أن الخطاب الرسمي حول “الإصلاح” لا يمكن أن يحل محل المساءلة الحقيقية. ونطالب بـ:
الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع سجناء الرأي، بمن فيهم المدافع الحقوقي البارز عبد الهادي الخواجة، المعتقل منذ عام 2010 والمحروم من العلاج اللازم.
وقف كافة أشكال الانتقام ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمجتمع المدني داخل وخارج البحرين.
وقف استخدام تقنيات المراقبة ضد النشطاء، والكشف الكامل عن استخدام برمجيات التجسس مثل “بيغاسوس”.
إلغاء قانون العزل السياسي واستعادة الحقوق السياسية الكاملة لجميع المواطنين.
إنهاء التمييز الطائفي، وضمان الحق الكامل في إقامة صلاة الجمعة في الدراز وسائر المناطق ذات الأغلبية الشيعية.
توجيه دعوة دائمة إلى الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة، خاصة المقررين المعنيين بحرية التعبير، والتجمع السلمي، والتعذيب، والمدافعين عن حقوق الإنسان.
“القمع في البحرين لم يعد ناقوس خطر، بل واقع يومي. وحين تُخنق الأصوات، يصبح من واجب هذا المجلس أن يصغي بقوة أكبر.”
نضال السلمان، نائبة رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ومديرة مركز البحرين لحقوق الإنسان
ومع انطلاق هذه الدورة، نذكّر الدول الأعضاء بأن القمع في البحرين ليس شأناً داخلياً، بل هو اختبار لمصداقية التزام المجتمع الدولي بحقوق الإنسان العالمية. إن مصداقية هذا المجلس تعتمد على مدى استعداده لمواجهة الظلم دون انتقائية، بما في ذلك في الدول ذات العلاقات الاستراتيجية أو الاقتصادية.
يبقى مركز البحرين لحقوق الإنسان ملتزماً بتوثيق الانتهاكات، ودعم الضحايا، والدفاع عن الحريات. وندعو المجتمع الدولي للوقوف معنا – ومع كل بحريني يرفع صوته في وجه القمع.