بقلم أسماء درويش، رئيس المناصرة في مركز البحرين لحقوق الإنسان (BCHR)، عضو AAWE ورئيس الاتصال في شبكة FAWCO لللاجئين
* تمت كتابة هذا المقال ونشره من قبل AAWE Paris، وهي سلسلة من 4 مقالات مطبوعة في رسالتها الإخبارية التي تصدر كل ثلاثة أشهر.
كنت في المرحلة الإعدادية عندما اجتمعت عائلتي بأكملها أخيرًا للمرة الأولى: أمي وأبي وجميع أخواتي وإخوتي. القصة ممتعة للغاية، هل لديك بعض من الوقت؟
بافتراض ذلك، ها أنا ذا أسردها: وُلدت في إيران في أكتوبر 1990، وعدت إلى بلدي الأم، البحرين، عندما كان عمري عامًا واحدًا، مع نصف عائلتي فقط. وعندما أقول نصف عائلة، فإني أعني ذلك. فلقد أجبرت السلطات البحرينية والدتي على ترك زوجها وثلاثة أولاد ورائها ولم يُسمح لها بالعودة إلى وطنها إلا مع بناتها الثلاث في حين كانت حامل بصبي.
هكذا انفصلت العائلة في عام 1992.
نحن عائلة من البحرين. أمي وأبي لديهما سبعة أطفال معًا، ومثل العديد من العائلات في البحرين، نحن من أصل فارسي، وأنا فخورة جدًا بهذا. إنه المزيج الجميل بين الثقافات الذي أتاح لي الفرصة للتحدث بالعربية والفارسية كلغتين أصليتين.
نفي أبي عام 1982 إلى إيران
هناك حركة شعبية كل 10 سنوات في البحرين، وقصة عائلتي بدأت في أواخر السبعينيات عندما تم اعتقال والدي لأسباب سياسية خلال حملة الاعتقالات الجماعية التي نفذتها الحكومة في ذلك الوقت. تعرّض خلالها للتعذيب وتم سجنه لمدة ثلاث سنوات، في سجن يسمى “جدة”، على جزيرة منعزلة. نعم، سجن في جزيرة، تمامًا كما في بعض الأفلام، وعندما علمت بذلك في سن الرابعة عشرة لم أصدق فسجن جدة كان معزولًا تمامًا بحيث لا يمكنك الوصول إليها إلا بالقارب.
في اليوم الذي انتهت فيه فترة محكومية والدي، كان من المفترض أن يطلق سراحه. هذا ما كان من المفترض أن يحدث، أليس كذلك؟ كانت أمي تنتظر مع العائلة بأكملها في المنزل لاستقبال والدي بوجبة طعامه المفضلة، لكن لا، لم يحدث هذا. بدلاً من ذلك، وضعته الحكومة على متن قارب شحن (كما لو كان حمولة بنفسه!) ونفته قسرًا في نفس اليوم إلى إيران. يمكن تحويل قصة القارب لوحدها إلى فيلم.
ضاع هذا القارب في البحر لمدة خمسة أيام، وقضى والدي ذلك الوقت مع صبي يبلغ من العمر 16 عامًا، وامرأة بحرينية أنجبت للتو، ووليدها ممن تم نفيهم ذاك اليوم. وصل والدي إلى إيران عام 1982، وهنا بدأت الرحلة، رحلة الغربة والهجرة والنفي قرابة 19 عامًا.
أمي أيضًا في إيران
التحقت أمي بوالدي في إيران مع ثلاثة أطفال في نفس العام. كانت الخطة هي البقاء هناك لمدة شهر والعودة إلى البحرين مع الأطفال. لكن خمّن ماذا؟ المزيد من الدراما؟ بالطبع! لقد استغرقت تلك الزيارة 10 سنوات عندما فقدت أمي جواز سفرها في إيران. لم تستطع أمي العودة إلى البحرين حتى عام 1992.
خلال تلك السنوات العشر وُلدت أنا وأخويّ الاثنين. وهذا ما يفسر سبب ذكر عاصمة إيران طهران ك “مكان الولادة” على بطاقة هويتي، وهو أمر كان يُنظر إليه بتمييز وعنصرية في البحرين، التي كانت وما زالت علاقاتها متوترة مع إيران.
في عام 1992 سُمح لأمي أخيرًا بالعودة إلى بلدها، البحرين، ولكن مع الفتيات فقط. لقد رفضت السلطات استقبال الصبية الذكور بعد محاولات عدّة، لذلك اضطرت والدتي إلى ترك أبنائها (الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و 7 و 18) في إيران مع والدي لسنوات عديدة.
عودة العائلة إلى البحرين
لم يتمكن والدي وإخوتي من العودة إلى الوطن إلا في مارس 2001، عندما قامت الحكومة بإصلاحات سياسية واسعة النطاق بعد أن خلف الملك حمد بن عيسى آل خليفة والده في منصب الحاكم في مارس 1999. وقد أسفر أحد هذه الإصلاحات عن إطلاق سراح حوالي 3000 سجين محتجزين لأسباب سياسية وسمح لمن تم نفيهم قسرًا بالعودة إلى ديارهم.
ما زلت أتذكر اليوم الذي رأيت فيه والدي وإخوتي في المطار. كان عمري 12 عامًا تقريبًا، ولم أكن أبدًا مبتهجة في حياتي كذاك اليوم! أخيرًا، تمكنت من إلقاء نفسي بين أحضان والدي والتعرّف على إخوتي. حسنًا، لأكن صادقة، لم يكن الأمر سهلاً مع أخي الأكبر محمد، لأننا تعاركنا كثيرًا، حول كل شيء! الآن بعد أن أصبحنا بالغين، أصبحت الأمور بيننا أكثر هدوءًا (ههههه).
كبرت وكنت طالبة متفوّقة، واحدة من أفضل الطالبات في الفصل حتى تخرجت من المدرسة. أنا من برج الميزان، وليس من السهل أبدًا لأصحاب هذا البرج الاختيار واتخاذ القرارات. لقد تردّدت بين الذهاب إلى أوكرانيا لدراسة الطب أو البقاء في البحرين لدراسة إدارة الأعمال. هممم … في البداية، اخترت الخيار الأول وكدت أسافر إلى أوكرانيا ولكن بعد ذلك … بوووووم! قمت بتغيير رأيي وبقيت في البحرين لدراسة إدارة الأعمال في بوليتكنك البحرين!
كبرت ولكن أيضًا كبرت
لطالما كنت شخصًا منفتحًا على التغيير، وهو أمر لم توافق عليه عائلتي تمامًا لأنهم محافظون إلى حد ما. لكنني كنت وما زلت أبحث باستمرار عن المعنى، وفي طور تبني أفكار جديدة واحتضان أفكار جديدة. أردت أن أصبح شخصًا أفضل، ولهذا كنت بحاجة إلى تحديد ماهية الأفضلية وتحديد الاتجاه الذي أرغب في النمو فيه. لأنه إذا لم أفعل، حسنًا، سيكون ذلك الأمر عسيرًا!
لطالما كان السؤال المركزي الذي سيطر على حياتي هو: “كيف يمكنني حقًا أن أحصل على حياة ذات معنى؟” أريد أن أجد أفكارًا رائعة وأن أجعلها قابلة للتنفيذ لكي أحصل على الحياة التي أطمح إليها. لذلك، بدأت تلك الرحلة عندما كان عمري حوالي 19 عامًا. كان لدي الكثير من الأسئلة في ذهني: كيف أحدّد القيم الجيدة وألتزم بها؟ كيف أتبنّى العادات الجيدة؟ كيف أقوم باختيارات جيدة وأتجنب الخيارات السيئة؟ كيف أقوم بتغييرات إيجابية؟ كيف أفعل أشياء ذات مغزى، والأهم من ذلك، كيف أجد نفسي وأكون في الواقع على طبيعتي دون الاضطرار إلى التظاهر بأنني شخص لست كذلك؟ وبالتالي، بدأت رحلة حياتي في فبراير 2011.
يتبع….