هل سيشرع النواب تقييد حرية الجمعيات الأهلية؟

هل سيشرع النواب تقييد حرية الجمعيات الأهلية؟
مشروع جديد يقيد تشكيل ونشاط الجمعيات الأهلية ومنظمات حقوق الإنسان
تقرير صادر عن مركز البحرين لحقوق الإنسان – يناير 2006
1/2006
المحتويات:
المقدمة
القطاعات والفئات التي يشملها مشروع قانون الجمعيات
جمعيات حقوق الإنسان
المزيد من التشدد في عدد وسن المؤسسين
هل سيشرع النواب تقييد حرية الجمعيات الأهلية؟
مشروع جديد يقيد تشكيل ونشاط الجمعيات الأهلية ومنظمات حقوق الإنسان
تقرير صادر عن مركز البحرين لحقوق الإنسان – يناير 2006
1/2006
المحتويات:
المقدمة
القطاعات والفئات التي يشملها مشروع قانون الجمعيات
جمعيات حقوق الإنسان
المزيد من التشدد في عدد وسن المؤسسين
القانون يقرر النظام الأساسي للجمعيات بدلا من الأعضاء:
تقييد اختيار وصياغة الأهداف وعرقلة التسجيل
القانون يضع الجمعيات تحت سلطة ومزاج الوزير
الخلاصة
تابع مركز البحرين لحقوق الإنسان بقلق واهتمام، مشروع القانون الجديد لتنظيم عمل الجمعيات الأهلية الذي أقرته مؤخرا لجنة الخدمات بمجلس النواب. وقد لاحظ المركز أن المشروع يحتوي على إيجابيات مهمة بالمقارنة بقانون 1989 النافذ حاليا، إلا أن المشروع لا يزال يحمل نفس القيود والعيوب الأساسية الموجودة في القانون الحالي. ولذلك يطالب المركز مجلسي الشورى والنواب بإلغاء القانون الحالي والامتناع عن إقرار أي مشروع جديد يقيد حرية عمل الجمعيات، والاستعاضة عن ذلك بتشريعات تنظم وتدعم نشاطات هذه الجمعيات.
لقد تميز المشروع الجديد عن قانون 1989، بأنه حظر إغلاق وحل الجمعيات الأهلية إلا بحكم قضائي، وأنهى صلاحية وزارة التنمية الاجتماعية في إغلاق أية جمعية بشكل مؤقت. كما أجاز قبول الجمعيات للدعم المالي من داخل البحرين. وأسقط شرط موافقة الوزير المسبقة على الأنشطة الخيرية والمهرجانات التي تود الجمعيات تنظيمها لتعزيز مواردها المالية. ونص المشروع على أن عدم رد الوزارة على طلب الترخيص خلال 45 يوما يعني الموافقة على الترخيص للجمعية. كما إن المشروع لا ينص على حضر اشتغال الجمعيات الأهلية بالسياسة كما هو الحال في القانون الحالي [1].
أما أهم العيوب في المشروع فهي حظر تشكيل الجمعيات والنشاط الجماعي إلا وفقا للقانون نفسه المثقل بالشروط والقيود، والذي يجعل مؤسسات المجتمع المدني تحت رحمة السلطة التنفيذية سواء في التأسيس، أو النشاط والتمويل، أو الحل والإغلاق. كما تمسك المشروع بالعقوبات التي يتضمنها القانون الحالي، وأبرزها الحبس لمدة 3 أشهر أو دفع غرامة تصل إلى ألف دينار لمن باشر نشاطا باسم الجمعية قبل الترخيص لها رسميا، وهو ما يتعارض بشكل صريح مع الحق الأصيل في تشكيل الجمعيات، ويعد انتهاك للاتفاقيات الدولية التي انضمت لها مملكة البحرين.
إن الدول المتقدمة في الحريات وحقوق الإنسان لا تضع قوانين لتقييد حرية تشكيل الجمعيات أو المعاقبة على ممارستها. فأية فئة أو مجموعة من حقها أن تشكل لنفسها جمعية وتباشر النشاط دون أن تحتاج لأذن من أحد. إلا أن بعض تلك الدول تضع إجراءات ومعايير كشرط للحصول على الحوافز والدعم من الدولة، على أن لا يتاح المجال للسلطة التنفيذية للاستفادة من ذلك في السيطرة على المؤسسات غير الحكومية أو التمييز بينها. وتسعى الجمعيات في بعض تلك البلدان وبشكل إرادي للتسجيل وذلك بغرض الحصول على الصفة الرسمية لإجراء أو ضبط المعاملات المالية، أو للاستفادة من القوانين المتعلقة بالإعفاءات الضريبية.
القطاعات والفئات التي يشملها مشروع القانون:
تأتي أهمية مشروع قانون الجمعيات في انه يحكم عمل قطاعات مهمة من مؤسسات المجتمع المدني وهي الجمعيات المهنية، والخيرية، والإسلامية، والنسائية، والاجتماعية، وجمعيات الجاليات الأجنبية، والجمعيات الإقليمية والدولية ، والاتحادات النوعية لهذه الجمعيات، والاتحادات النوعية الإقليمية. وجمعيات النفع العام (المادة 1).
جمعيات حقوق الإنسان:
ولم يتضمن المشروع الإشارة إلى جمعيات حقوق الإنسان ولكن يبدو بأنها تقع ضمن تصنيف جمعيات النفع العام التي تعرفها المادة رقم (1) بأنها “كل جمعية تستهدف تحقيق مصلحة عامة يصدر قرار من الوزير بإضفاء صفة النفع العام عليها، ويكون إلغاء صفة النفع العام عن الجمعية بذات الوسيلة”
وهكذا فان منظمات حقوق الإنسان التي يفترض أنها تقوم برصد ومراقبة السلطة التنفيذية لا تستطيع أن تكتسب صفة النفع العام إلا بقرار من السلطة التنفيذية نفسها ممثلة بالوزير، وإذا تم التفضل عليها بذلك فإنها تجد نفسها بقوة القانون تحت هيمنة الوزارة كما سيأتي في التفصيل. ويحق للوزير في أي وقت أن يلغي صفة النفع العام عنها، فتصبح غير نافعة وغير شرعية.
إن أمام جمعيات حقوق الإنسان فرصة في أن لا تقع في شراك هذا القانون، فهو لم يذكرها صراحة، ولا يستوعب عملها، وبذلك فعليها أن تعمل لان يكون لها وضع خاص يخرجها من هيمنة السلطة التنفيذية ويمكنها من القيام بدورها كجهات رصد ورقابة.
المزيد من التشدد في عدد وسن المؤسسين:
في المادة (4) اشترط المشروع لتأسيس الجمعية أن لا يقل عدد المؤسسين عن 30 شخصا، وان لا يقل سن العضو المؤسس عن 21 سنة ميلادية، وبذلك فقد وضع المشروع الجديد قيودا أكثر تشددا حتى من القانون الحالي الذي ينص على أن لا يقل عدد المؤسسين عن 10 أشخاص وأن لا يقل سن العضو المؤسس عن 18. وتحرم هذه المادة اية مجموعة يقل عددها عن 30 شخصا من حق التنظيم والنشاط، كما تحرم الشباب ممن هم دون سن 21 من المشاركة في تأسيس الجمعيات الأهلية بمختلف أنواعها. علما بأن القانون قد اخرج الجمعيات الشبابية من دائرة الجمعيات الأهلية، لتقع تحت قانون يجعلها تحت رعاية مؤسسة حكومية أخرى.
القانون يقرر النظام الأساسي للجمعيات بدلا من الأعضاء:
وتتضمن المادة (6) الكثير من التفاصيل التي يجب أن يحتوي عليها النظام الأساسي للجمعية لكي تحصل على التصريح بالعمل. وتأتي المادة (13) لتشترط أيضا موافقة الوزارة على أي تعديل في النظام الأساسي. ثم تأتي المواد من (21) إلى (36) تحت عنوان أجهزة الجمعية لتضع تفاصيل الهيكل العام واللوائح الداخلية وهي تفاصيل يفترض أن يتم تركها لأعضاء الجمعية لا أن يفرضها عليهم القانون. وكان يمكن الاكتفاء عن كل ذلك بالعبارة التي وردت في نهاية المادة (6) وهي: “يرفق باللائحة التنفيذية لهذا القانون نظام نموذجي يصدر بقرار من الوزير تسترشد به الجمعيات في إعداد أنظمتها الأساسية”. وفي الوقت الذي يفرض المشروع كل هذه التفاصيل الصغيرة على الجمعية فانه يتجاوز عن تفاصيل أكثر أهمية سنستعرضها في عرض مواد هذا المشروع.
تقييد اختيار وصياغة الأهداف وعرقلة التسجيل:
وتنص المادة رقم (7 )على عبارات فضفاضة تقيد الجمعية في صياغتها لأهدافها، مثل “عدم المساس بالنظام العام، والتأكيد على السلام الاجتماعي، وأن لا تكون ذات سمة طائفية أو عرقية”. وتفتح التفسيرات المتنوعة لهذه العبارات الباب واسعا لتقييد الجمعيات في صياغة أهدافها، وفي قدرة المواطنين على إنشاء جمعيات أو وضع أهداف لحماية حقوق المجموعات المختلفة في المجتمع. والأولى أن تكون هذه المادة في صورة إرشادية وبصياغة واضحة، مع تشريع قانون عام في البلاد يمنع التمييز.
وتضع المادة (8) شروطا في تقديم طلب التسجيل تعطي للجهة الإدارية مساحة واسعة لرفض الطلب أو المماطلة فيه، مثل “إرفاق سند شغل مقر الجمعية”.. “وأية متطلبات أخري تحددها اللائحة التنفيذية”. وليس من الواضح إن كانت هذه المادة تشترط وجود مقر لدى أية جمعية كشرط لقبول طلبها، فإذا كان كذلك فهو قيد آخر على حق المواطنين الطبيعي في تشكيل الجمعيات.
وتعطي المادة (10) الحق للإدارة في رفض تسجيل الجمعية في حال تعارض أهدافها مع” سيادة الدستور وحكم القانون، أو أن تكون أهدافها منافية للنظام العام أو الآداب العامة” وبذلك يكون بإمكان الوزارة استخدام تفسيرها لتلك العبارات الفضفاضة لرفض تسجيل أية جمعية. وإذا قررت الجمعية التظلم لدى الوزير ثم لدى المحكمة الكبرى المدنية (وفقا للمادة 11) فان ذلك سيستغرق منها مدة تصل في مجموعها إلى أكثر من أربعة أشهر (45 يوما للتسجيل، و30 يوما للتظلم لدى الوزير، و60 يوما في المحكمة الجنائية). وهكذا يدخل المؤسسون في إجراءات قانونية وقضائية معقدة لا يضمنون نتيجتها، وأي نشاط يقومون به أثناء تلك الفترة سيكون تحت طائلة عقوبة السجن والغرامة.
في حين ان الأصل هو إطلاق حرية تشكيل الجمعيات وممارسة النشاط ما دام كان سلميا، ويمكن للجمعيات الإعلان عن تشكيل نفسها أو إخطار السلطات بذلك. وإذا كان للجهة الإدارية أو أية جهة أخرى دعوى قانونية ضد الجمعية الجديدة فهي من يقوم برفع دعوى لدى القضاء، وليس العكس.
القانون يضع الجمعيات تحت سلطة ومزاج الوزير:
تنص المادة (14) على انه “لا يجوز للجمعية أن تقبل دعماً مالياً من أية جهة من خارج البحرين إلا بعد موافقة الوزير أو من يفوضه في ذلك”. و”على الجمعية أن تفصح عن طبيعة هذا الدعم، ونوعه، وقيمته في التقرير المالي المدقق وفي التقرير السنوي الذي يرفعه مجلس الإدارة إلى الجمعية العمومية”.
لقد قيد المشروع قبول الدعم من الخارج دون أن يحدد معايير لذلك، وأطلق يد الإدارة في التحكم في ذلك الدعم وفقا لمزاجها الخاص، فعزز هيمنة الإدارة على الجمعيات. في حين أن نص هذه المادة يتضمن واجب الإفصاح وآلياته وهو كاف في حد ذاته كقيد ووسيلة للرقابة على التمويل الخارجي للجمعيات.
وتنص المادة (16) على أن الجمعيات تخضع لإشراف الوزارة، ويتضمن الإشراف فحص أعمال الجمعية والتحقق من مطابقتها للقوانين ونظامها الأساسي. ويضع هذا النص المطلق مؤسسات المجتمع المدني تحت رحمة الإدارة وممارسات موظفيها دون أن يحدد قيود وآليات لذلك.
وتعطي المادة (22) للوزارة الحق في الدعوة لانعقاد الجمعية العامة غير العادية، والتي يجوز لها (حسب المواد 24 و 39) النظر في النظام الأساسي للجمعية أو اندماجها أو تحويلها أو حلها أو عزل أعضاء مجلس الإدارة. وبذلك تستطيع الوزارة تجاوز مجلس الإدارة المنتخب والتدخل مباشرة في الآليات الداخلية للجمعية.
وتنص المادة (25) بأن على الجمعية إبلاغ الوزارة بكل اجتماع للجمعية العمومية قبل انعقاد بخمسة عشر يوما على الأقل وبصورة من خطاب الدعوة وجدول الأعمال. وتعطي هذه المادة للوزارة أيضا الحق بأن توفد مندوبا عنها لحضور الاجتماع، للإدلاء بوجهة نظر الوزارة في موضوع معين يرى أن “المصلحة العامة” تقتضي بحثه مع الجمعية العمومية، وتعطي المادة للمندوب حق الاشتراك في مناقشة هذا الموضوع.
كما تفرض المادة (29) على الجمعية أن تقوم بإبلاغ الوزارة بنتائج الجمعية العمومية والقرارات الصادرة عنها، خلال خمسة عشر يوما من تاريخ الاجتماع. وتنص المادة (31) على انه يجوز للجهة الإدارية المختصة أن تطلب عقد اجتماع لمجلس الإدارة إذا دعت ضرورة لذلك.
وتعطي المادة (34) للوزير الحق في إلغاء الانتخابات وفقا لتفسيرها الخاص لعبارة “إذا تبين أن انتخاب أعضاء مجلس إدارة الجمعية قد تم بمخالفة أحكام هذا القانون أو النظام الأساسي للجمعية” وهكذا فبدلا من أن يكون للوزارة أو أية جهة أخري الحق في الطعن في الانتخابات أمام القضاء، يعطي هذا القانون الحق للوزير بإلغاء الانتخابات ويترك لمجلس الإدارة المنتخب الذهاب للمحاكم كما تنص المادة نفسها.
وتأتي المادة (35) لتعطي للوزير صلاحية تعيين مجلس إدارة مؤقت للجمعية لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد مرة واحدة. وذلك تحت ذرائع مثل “إذا اصبح عدد أعضاء مجلس الإدارة غير كاف لانعقاده انعقادا صحيحا أو تعذر لأي سبب اكتمال الناصب القانوني لثلاث مرات متتالية أو إذا تم انعقاد الجمعية العمومية عامين متتاليين دون عذر تقبله الوزارة”. وهذه المادة تكريس للرعاية القسرية التي تخضع وفقها مؤسسات المجتمع المدني لارادة الإدارة التنفيذية.
وتعطي المادة (36) للوزير صلاحية إيقاف تنفيذ أي قرار يصدر من الأجهزة القائمة على شؤون الجمعية إذا وجده “مخالفا للقانون أو لنظام الجمعية أو للنظام العام للآداب” وللجمعية أن تطعن في قرار الوزير أمام المحكمة الكبرى المدنية. وهكذا مرة أخرى، بدلا من أن يلجأ الوزير إلى القضاء، يقوم بتعطيل قرارت الجمعية وفقا لتفسيره لتلك العبارة الفضفاضة، وللجمعية بعد ذلك أن تلجأ للقضاء!
وتشترط المادة (38) الحصول على موافقة الوزارة لكي تنتسب الجمعية أو تشترك أو تنظم إلى جمعية أو هيئة أو اتحاد أو منظمة إقليمية أو دولية. والأولى أن يكفي إخطار الوزارة بذلك كما هو شأن الانتساب إلى الجهات الوطنية، فإذا ارتكبت اعتقدت الوزارة بأن الجمعية أية مخالفات قانونية يحق للوزارة حينئذ اللجوء للقضاء.
الخلاصة:
إن إقرار مثل هذا القانون سيسيء إلى سمعة مجلسي الشورى والنواب، وسيتم انتقاده من قبل المنظمات الدولية واللجان المسؤولة عن تنفيذ الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها مملكة البحرين، وإذا تم فرض هذا القانون على جمعيات حقوق الإنسان فذلك سيضاعف من النتائج والسمعة السيئة للقانون والجهة التي أصدرته. وسيبقي مثل هذا القانون مؤسسات المجتمع المدني عاجزة عن القيام بدورها كشريك حقيقي لأجهزة الدولة في التنمية الشاملة للدولة والمجتمع. إن منع تشكيل الجمعيات إلا بقانون هو من مخلفات عهود الاستبداد والقهر. فلا مناص من إطلاق حرية تشكيل الجمعيات والتنظيمات، وإذا كان ثمة قانون فهو لتنظيم عمل الجمعيات وتسهيل عملها ودعمها وليس من