يُعبِّر مركز البحرين لحقوق الإنسان عن قلقه إزاء استمرار سياسة الإفلات من العقاب التي تنتهجها السلطات قبال الإنتهاكات التي يرتكبها الموالون لها، بالإضافة إلى التمادي في دعمها المباشر وغير المباشر لتأجيج النعرات الطائفية والسماح بخطاب الكراهية ضد أكبر طائفة في المجتمع.
ففي كلمة ألقاها العقيد السابق عادل فليفل في أحد مجالس المحرق في الحادي عشر من يوليو / تموز 2014 وصف زعيم الطائفة الشيعية في البحرين الشيخ عيسى قاسم بأنه “كافر” وأن “المجلس الإسلامي الذي يسعى لتأسيسه ليضم الطائفتين السنية والشيعية سيكون مجلساً كفرياً” وأن أصحاب قاسم هم من عبدة الأولياء الصالحين وأن عليهم التوبة. كما أطلق تهديدات علنية لقاسم بـ “اصطياده كالفئران وتمريغ أنفه في التراب كما حدث لأصحابه في العراق وسوريا”[1] ، في إشارة إلى المذابح الجارية في الدولتين. نظراً لرمزية الزعيم الشيعي فقد اعتبر علماء الطائفة في بيان أصدروه أن وصفه بالكفر يعم ليشمل الطائفة الشيعية في البحرين بأكملها والتي تشكل الغالبية من السكان.[2]
ورغم إنتشار الفيديو في وسائل التواصل الإجتماعي بشكل واسع، وتزايد الجدل حوله في الأوساط الشعبية إلا أن السلطات البحرينية لم تتخذ سوى موقف شكلي إزاء خطاب الكراهية الواضح الذي تضمّنه، عوضاً عن التهديد الصريح الذي يمس أمن وسلامة الشيخ عيسى قاسم. فقد أعلنت النيابة العامة في 23 يوليو / تموز 2014 عن التحقيق مع متهم “قام بنشر وإذاعة تسجيل فيديو على أحد المواقع بالانترنت تعدى فيه على إحدى الملل وحقَّر من شعائرها”، وتم توجيه تهمة “التعدي علانية على إحدى الملل المعترف بها والتحقير من شعائرها”[3]. ولم يذكر البيان اذا ما كان المتهم قد تم توقيفه. إلا أن النيابة لم توجه له أي اتهام فيما يتعلق بالتهديد والسب لقاسم متذرعة بأن “هذه الجريمة تتطلب لتحريك الدعوى الجنائية عنها شكوى من المجني عليه، أو من يمثله قانوناً”.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها فليفل تهديدات مباشرة للرموز الشعبية والنشطاء، فقد سبق أن وجه عبر حسابه الشخصي على تويتر في ديسمبر 2011 تهديدات واضحة وصريحه ضد المدافعين عن حقوق الانسان نبيل رجب، ومحمد المسقطي، ويوسف المحافظة والصحفية لميس ضيف.[4] كما أنه كرر هذه التهديدات في نوفمبر / تشرين الثاني 2013 متوعدا بجعل نائب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان السيد يوسف المحافظة يندم على “اللحم المفروم” وأضاف أن “قتالكم واجب”[5]. وفي أكتوبر / تشرين الأول 2013 وجه تهديداً للسفير الأميركي في المنامة، توماس كراجيسكي، متوعداً إياه بـ “تطبيق الواجب الديني” عليه في حال استمراره في ما اعتبره “أذىً للمسلمين“ [6]، في إشارة إلى مساعي الإدارة الأمريكية لدفع مسيرة الإصلاح في البلاد.
عادل فليفل
برز اسم فليفل بين عامي 1980 و2000، كضابط في جهاز أمن الدولة المنحل، وكمساعد لرئيس جهاز أمن الدولة الضابط الاسكتلندي المعروف ايان هندرسون. وقد اشتهر ببطشه بمعتقليه والتمثيل بهم أثناء فترة احتجازهم، ويعتبر أحد المسئولين المباشرين عن قتل العشرات من أبناء الوطن تحت التعذيب، والآلاف من ضحايا التعذيب الذين باشر بتعذيبهم بنفسه أو بأوامر منه وتحت إشرافه. كما أنه المسئول عن الكثير من الاعتداءات الجسدية والجنسية التي مورست بحق المعتقلين الذين كانوا بحوزته.
وعمل فليفل على تكديس العشرات من الأسر البحرينية من ذوي الأصول الفارسية في سفن بدائية تفتقر إلى أبسط إجراءات السلامة، والمقامرة بإرسالهم قسراً إلى إيران في قوارب دون وثائق سفر أو أوراق رسمية في ظروف تفتقر إلى أدنى المعايير الإنسانية، وكاد ذلك أن يودي بالبعض منهم للضياع والغرق في عرض البحر، لولا أن تم إنقادهم من قبل خفر السواحل الإيرانية، وبالتالي معاملتهم في إيران كلاجئين حيث عانوا من ظروف معيشية صعبة، وقد سُمح لمعظمهم بالرجوع إلى البحرين بعد العام 2000. كما تسبب فليفل أيضًا في فقد الكثير من خيرة الطلبة البحرينيين تعليمهم المدرسي أو الجامعي وضياع مستقبلهم التحصيلي والوظيفي، وكذلك تسبب في فقدان الكثير من المواطنين لوظائفهم ومصادر أرزاقهم، وقد أضحى الكثير من ضحاياه فقراء معوزين أو مهجّرين مشتتين بين المنافي والمهاجر في العالم.
لم يكتفي فليفل بهذا الحد، بل إنه تمادى في الإساء باستخدام سلطته ونفوذه لابتزاز المئات من أسر المعتقلين وتقاضي مبالغ خيالية منهم إبان تلك الفترة مقابل الإفراج عن أبنائهم من رعب هذا الأجهزة الأمنية. وقد استولى على أموال الكثيرين واستحوذ على مساحات واسعة من الأراضي المملوكة لرجال أعمال بحرينيين أو أخضعهم للترهيب وخيرّهم بين القبول ببيعها له بأثمان بخسة أو الزج بهم في السجون بتهم ملفقة؛ سياسية وبمحاولة قلب نظام الحكم، أو بتهم جنائية أو أخلاقية. وقد جمع جراء عمليات ابتزازه ثروة طائلة تقدر بمئات الملايين من الدولارات. ويذكر أن فليفل كان يقوم بكل جرائمه تلك مستفيدًا من شبكته المخابراتية المتغلغلة في المرافق العامة والخاصة، وكذلك عبر علاقاته الشخصية وشراكته المالية مع ابن عم الملك ومستشاره الحالي الشيخ خالد بن محمد بن سلمان آل خليفة، والذي كان يرأس جهاز أمن الدولة آنذاك. كما ساهمت مشاركة الشيخ خالد معه في توفير الغطاء لجرائم الاحتيال والابتزاز التي اقترفها. واشتهر فليفل كذلك بحفلاته الليلية الحمراء الصاخبة، إما في حاناته ومراقصه التي يملكها ويديرها، أو في مزارعه وقصوره ويخوته الخاصة الفاخرة.
ومع تقلد الملك الحالي حمد بن عيسى آل خليفة لسدة الحكم في 6 مارس / أيار 1999م، واطلاق الوعود في بداية عهده بالإصلاح والمحاسبة والقضاء على الفساد خاف الكثير من المتورطين في الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، فلاذ العقيد عادل فليفل بالفرار إلى مدينة برزبن بأستراليا، مبشراً أهالي تلك المدينة بعصر اقتصادي زاهر عبر استثمار بعض من أمواله هناك. وكانت وزارة الداخلية البحرينية آنذاك قد أعلنت بإنها طالبت البوليس الدولي (الانتربول) باسترجاعه. وقد قدرت استثماراته في تلك المدينة بمائة مليون دولار أنفقها في شراء المباني. وقد قام مركز البحرين لحقوق الإنسان بمعية بعض المنظمات الحقوقية في أستراليا والشخصيات الدولية بالعمل على طرد فليفل من أستراليا وعدم منحه الإقامة الدائمة هناك نظرًا لسجله الأسود وانتهاكاته الصارخة لحقوق الإنسان في البحرين، مما أثمر عن رفض السلطات الاسترالية إبقائه على أراضيها[7] . كما خرجت العشرات من المظاهرات والاحتجاجات في جميع أنحاء البحرين وشارك فيها عشرات الآلاف من ضحاياه و عوائلهم مطالبين بتقديمه للعدالة. وقد كتبت عنه المنظمات الدولية وطالبت حكومة البحرين بتقديمه للمحاكمة على جرائمه، ومن تلك المنظمات هيومان رايتس واتش[8] ومنظمة العفو الدولية.
وفي تغير مفاجئ وبعد أن هدد العقيد فليفل السلطات في البحرين بكشف الكثير من الأسرار والمعلومات وتوريط كبار المسئولين معه إذا ما تمت ملاحقته، بادرت جهات في الحكم إلى تطمين فليفل بوعود بعدم استهدافه إذا ما أراد الرجوع إلى البحرين وأن الملك سيصدر عفوا خاصا له. وقد حديث بالفعل أن أصدر ملك البحرين في أكتوبر / تشرين الأول 2002 المرسوم بقانون رقم 56 والذي بموجبه تم منع الملاحقة القضائية لمرتكبي جرائم التعذيب وانتهاكات الحقبة الماضية. وبعد تأكد فليفل بعدم جديّة شعارات المحاسبة والقضاء على الفساد عاد إلى البحرين في يوم السبت 23 نوفمبر / تشرين الثاني 2002، لاستئناف مزاولة أعماله التجارية من جديد [9] . وتحول عادل فليفل من موظف أمني لا يتجاوز راتبه 600 دينار إلى شخص يمتلك إمبراطورية مالية وعقارية في داخل وخارج البحرين.
بعد الحملة الأمنية الدموية على التظاهرات الشعبية في 2011، عاد العقيد السابق فليفل للظهور بكثافة ولكن هذه المرة في هيئة سلفية ذات خطاب ديني طائفي متطرف يطلق التهديد والتحريض العلنيين ضد المعارضين المؤيدين للديموقراطية وذلك عبر حسابه الشخصي على تويتر، وكذلك عبر القنوات المتلفزة[10] وإلقاء الخطب في المجالس والتجماعات العامة، حيث دعى إلى تأسيس ميليشيات أهلية مسلحة ذات منطلق طائفي[11] ، وقام بالتحرّيض على قتل المدنيين من دعاة الاصلاح والديمقراطية ونشطاء حقوق الإنسان ممن أسماهم “إرهابيين”[12] مستغلاً إخفاق السلطات في القيام بواجبها في تأمين مصالح المواطنين وحمايتهم من عناصر هذه المليشيات المسرحة اليدين دون قضاء عادل رادع.
وبالرغم من تصريحات علنية حول إتهام فليفل في أبريل 2014 بالاتصال بمنظمات إرهابية في ليبيا وتونس واليمن، حيث قال في تصريح له “أن الأجهزة أبلغته بأن هناك أدلة صوتية عليه بالإتصال بتلك المنظمات.” إلا أن أي إجراء قانوني لم يتخذ ضده، فيما ادعى فليفل بأن الأجهزة الأمنية قد تلقت منه مبلغ 7.5 ملايين دينار لقاء عدم سجنه.[13]
عادل فليفل هو نموذج صارخ لخطاب الكراهية والتحريض على العنف التي تتغاضى عنها السلطة، وهو ليس الوحيد حيث يستمر بعض خطباء المساجد الموالون للسلطة بمهاجمة وشتم وقذف وتخوين والتحريض ضد الطائفة الشيعية علناً (خطب الجمعة للشيخ جاسم السعيدي مثالا [14]) دون أن تتخذ وزارة العدل أي إجراء فعلي ضدهم على الرغم من وضوح خطابات التشهير والازدراء والتحريض الطائفي، ففي مارس / أذار 2012 وعلى إثر خطبة للشيخ التكفيري جاسم السعيدي (عضو مجلس النواب البحريني) في صلاة الجمعة وصف فيها أبناء الطائفة الشيعية بـ “النغول” (اللقطاء)، -وهي كلمة شديدة الإساءة وتعبر عن مدى الازدراء- اكتفت الوزارة بتمرير خبر إعلامي يدعي طلب فتح تحقيق في الحادثة[15]، في حين يظهر في واقع الامر اتخاذ أي اجراء لإيقاف مثل هذا النوع من التعدي ومن قبل الشخص ذاته.
في يوليو / تموز 2012 وبتهمة إهانة أهالي المحرق تم الحكم على المدافع البارز عن حقوق الإنسان رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان السيد نبيل رجب بالسجن لمدة ٣ أشهر مع النفاذ بعد شكوى تقدم بها عادل فليفل ومجموعة من الضباط في المحكمة، وقد تم توقيفه حتى أمضى أكثر من نصف المدة قبل أن تبرأه المحكمة، وذلك بعد أن أصدرت أحكاماً في قضايا أخرى تضمن بقاء رجب في السجن. ومن المفارقة أن فليفل ذاته يقوم اليوم بتوجيه خطاب الكراهية ويكفر أكبر طائفة من سكان البلاد ويشتمهم ويتوعد رموزهم الدينية دون أن يتخذ أي إجراء صارم ضده. وقد علق رجب في هذا الصدد قائلا: “ما قاله فليفل يشكل جريمة لكن المؤسسات القضائية والأمنية تصمت إستجابة لرب البيت رئيس الوزراء الذي قال أن القانون لا يسري على الجميع. حتى لو افترضنا ان الجهات الامنية والقضائية قررت ان تتحرك، أنا على يقين أنها ستكون حركات شكلية خالية المضمون والتجارب كثيرة.”
وبناءً على ما سبق، فإن مركز البحرين لحقوق الإنسان يؤمن ويطالب بالتالي:
- محاسبة عادل فليفل على كافة جرائمه وإنتهاكاته لحقوق الإنسان بما في ذلك تورطه في التعذيب وخطاب الكراهية والتحريض على العنف.
- إتخاذ تدابير فورية ضد كافة المروجين للعنف والتحريض على الكراهية الطائفية.
- محاسبة كافة المسؤولين الذين يدعمون ويشجعون على خطاب الكراهية والتحريض على العنف ضد طائفة من المجتمع عبر توفير الحماية والغطاء لهم.
- وقف التمييز الممنهج في إستخدام أدوات القانون وتوظيفها لاستهداف المعارضين والخطباء الذين يعبرون عن رأيهم المخالف للسلطة.
- التوقف عن غض الطرف الواضح عن وسائل الإعلام والمنابر المحسوبة على السلطة والتي تقوم بالتحريض على العنف والطائفية وتزدري بالمعارضين للسلطة وسط غياب تام للمحاسبة.
[11] http://www.islamtimes.org/vdchzmn6.23nmqdt4t2.html