مقتل طفل يبلغ 14 عاما برصاص الشوزن وهي الحالة العاشرة منذ 2011
(بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على السلطات البحرينية فتح تحقيقات سريعة وشاملة ومحايدة في حالتي وفاة، وقعت واحدة منها في 22 مايو/أيار 2014 على إثر قيام قوات الأمن بإطلاق النار على طفل يبلغ من العمر 14 سنة، وإصابته بجروح قاتلة. ويتعين على السلطات محاكمة كل شخص مسؤول عن استخدام القوة بشكل غير قانوني في هذه الحادثة، وكذلك حادثة 23 فبراير/شباط والتي تسببت لشخص يبلغ من العمر 28 سنة بجروح أدت إلى وفاته في 18 أبريل/نيسان. ومازالت جثة الضحية في المشرحة لأن عائلته ترفض التوقيع على شهادة وفاة لا تنص على إصابته بطلقات نارية في مستوى الرأس قال الأطباء إنها تسببت في وفاته.
يبدو أن قوات الأمن قامت بإطلاق النار على سيّد محمود أثناء تفريق آلاف الأشخاص في جنازة في قرية خليجية مساء يوم 22 مايو/أيار. وتُشير شهادة وفاة صادرة عن المستشفى، وشهادات ثلاثة أشخاص، وصور للإصابة القاتلة التي تعرض لها الرجل، ورأي خبير في الطب الشرعي إلى أن وفاة سيد محمود كانت ناجمة عن استخدام القوة القاتلة بشكل غير قانوني، وإنه لم يكن يُشكل أي تهديد لقوات الأمن. وقال والد عبد العزيز العبار لـ هيومن رايتس ووتش إن أطباء في مستشفى السلمانية أخبروه يوم 23 فبراير/شباط أن ابنه يحتاج إلى عملية جراحية لإزالة “كُريات أصابت دماغه”، ولكن شهادة طبية صدرت بعد وفاته في 18 أبريل/نيسان أشارت فقط إلى “إصابة بالدماغ”، بينما يرفض الإطار الطبي ذكر سبب تلك الإصابة. وذكرت منظمات حقوقية محلية أن عبد العزيز العبار تعرض إلى إصابة في الرأس بسبب قنبلة مسيلة للدموع ورصاص الشوزن أثناء مظاهرة في بلدة سار. وأكدت السلطات البحرينية، ردًا على استفسارات هيومن رايتس ووتش في 6 و11 يونيو/حزيران، إنها فتحت تحقيقات في حالتي الوفاة.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “تزعم السلطات البحرينية أنها قامت بإصلاح قوات الأمن بعد أن استخدمت القوة المميتة وقتلت 13 متظاهرًا غير مسلح في انتفاضة 2011، ولكن وفاة سيد محمود وعبد العزيز العبار تثير تساؤلات جدية حول مدى التغيير الحاصل. وفي حالة عبد العزيز العبار، يتعين على السلطات التحرك الفوري لضمان تسجيل سبب الوفاة الحقيقي في شهادة الوفاة حتى يتم تسليم الجثة لعائلته المكلومة لدفنها”.
تذكر شهادة وفاة سيد محمود أنه توفي بسبب تعرضه إلى إصابات برصاص الشوزن الذي اخترق قلبه ورئتيه. وقال شاهدان لـ هيومن رايتس ووتش إن عون أمن قام بإطلاق النار على محمود من مسافة لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة أمتار بينما كان يلوذ بالفرار. كما قال خبير في الطب الشرعي، اطلع على صور للإصابات القاتلة بطلب من هيومن رايتس ووتش، إنه يبدو أن محمود قتل بسبب رصاص الشوزن المدوّر الذي أطلق عليه من مسافة لا تتجاوز ستة أمتار من قبل شخص كان يواجهه من الأمام.
كما تحدثت هيومن رايتس ووتش مع شخصين قالا إنهما شهدا الإصابة القاتلة. وقال أحدهما إنه كان في جنازة ضخمة تسير من قرية واديان إلى قرية خليجية ذهابًا وايابًا، وحوالي الساعة الخامسة وعشرين دقيقة مساءً، قامت قوات الأمن في ما لا يقل عن خمس عربات مدرّعة بمواجهة الحشد وتفريقه. بينما قال شخص ثالث إنه كان ضمن مجموعة تتكون من خمسة أو سبعة أشخاص، بمن فيهم محمود، هربوا لما أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع ورصاص الشوزن في اتجاههم، ولكنه لم يشاهد إصابته بالرصاص. والتمس ثلاثتهم عدم ذكر أسمائهم خوفًا من الانتقام.
وقال الشاهد الأول إن العديد من المتظاهرين انتشروا في الأزقة هربًا من العربات المدرعة، وكانت الأزقة واسعة ولا تساعد الشرطة على ملاحقتهم، فخرج ثلاثة أعوان من العربة وراحوا يجرون في أحد الأزقة. ولما لاح محمود في نهاية الزقاق، قام أحد أعوان الشرطة بإطلاق النار عليه دون سابق إنذار من مسافة لا تتجاوز مترين ونصف أو ثلاثة أمتار. وقال أيضًا إنه كان على بعد 50 مترًا تقريبًا من مكان الحادث.
وقال الشاهد الآخر إنه كان يبعد مسافة 15 مترا على مكان الحادث لما خرج عونا أمن وعون ثالث في زي مختلف، قال إنه “زي الكوماندوس”، من العربة المدرعة. كما قال إن اثنين منهما سارا في الزقاق وهما يحملان بنادق، بينما قام الرجل في زي الكوماندوس بإطلاق النار على محمود دون سابق إنذار. وقدر الشاهد المسافة الفاصلة بين الرجل الذي أطلق النار ومحمود بثلاثة أو أربعة أمتار.
وقال الشاهد الثالث إنه لم يشاهد شيئا في يد محمود لما كانا معًا قبيل وفاته.
ويدعم رأي دريك باوندر، خبير في الطب الشرعي كان قد أدلى بشهادات لدى المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية، ومحاكم أخرى، الروايات التي قدمها الشهود. وقال باوندر، اعتمادا على أربع صور للجروح، إن الرصاصة القاتلة أطلقت من مسافة تتراوح بين ثلاثة وستة أمتار لما صار محمود قبالة الشرطة. كما قال إن استخدام رصاص الشوزن في إطار السيطرة على الحشود لا يعني وجود نية القتل، ولكن عندما يتم إطلاقه من مسافة تقل عن ستة أمتار ربما تكون النية موجودة.
وقال الشاهدان إن بعد إطلاق النار، قامت مجموعة من الشرطة بتطويق محمود، ومنعت سكان خليجية من الاقتراب، ولم يشاهدا أعوان الأمن بصدد تقديم مساعدة طبية له. كما قال شاهد ثان إن أحد السكان المحليين نجح في الوصول إلى محمود ونقله إلى منزل قريب، حيث حاول تقديم الإسعافات الأولية له. ولما تفطن الجميع إلى خطورة إصابة محمود، قام السكان بنقله في سيارة إلى مستشف سترة.
تنص شهادة وفاة محمود على أنه فارق الحياة على الساعة 7 و25 مساءً جراء إصابات بالرصاص في الجهة اليُسرى من صدره اخترقت رئتيه وقلبه.
وقال عمّ محمود، عبر وسيط، إن الطفل كان في المدرسة الثانوية، وكان طالبًا جيدا. كما قال إنه لم يتعرض أبدا إلى الاعتقال من قبل، وكان من هواة التصوير الفوتوغرافي. وكما نُقل عن العم أنه قال: “كان طفلا هادئا، يحبه الجميع”.
وقال والد عبد العزيز العبار لـ هيومن رايتس ووتش إنه لا يعرف الظروف التي أدت إلى إصابة ابنه، ولكن عندما ذهب إلى مستشفى السلمانية في 23 فبراير/شباط 2014 قال له الأطباء إن ابنه كان يحتاج إلى عملية جراحية لاستخراج “كريات” من دماغه. ثم قال له نفس الأطباء في وقت لاحق إن العملية لم تنجح، وإن عبد العزيز توفي في 18 مايو/أيار. كما قال والده إنه لن يوقع على شهادة الوفاة ما لم تتضمن إشارة إلى الإصابة بالرصاص الذي قال الإطار الطبي إنه أدآ إلى مقتله. وبصفتها طرفا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يتعين على البحرين حماية الحق في الحياة واحترامه. كما يجب على قوات الأمن التقيد بمبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية، التي تنص على أن لا تستخدم القوة المميتة إلا في الحالات التي لا يمكن فيها تفاديها لحماية الحياة، في إطار ضبط النفس ومبدأ التناسب. كما تنص هذه المبادئ على أن تضمن الحكومة المعاقبة على استخدام القوة والسلاح الناري بصورة تعسفية وغير قانونية بواسطة أفراد القوات المعنية بإنفاذ القانون على اعتبار أنه مخالفة جنائية.
وكانت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، المكلفة بالتحقيق في سلوك قوات الأمن أثناء الاحتجاجات المعارضة للحكومة في 2011، قد خلصت إلى أنه “تم استخدام القوة من جانب وحدات الشرطة ضد المدنيين بطريقة لا تتفق مع مبدأي الضرورة والتناسب. وكان مرجع هذا، على الأقل جزئيا، لسوء تدريب هذه القوات، وضعف أنظمة القيادة والتحكم…”.
وكنتيجة مباشرة لإحدى توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، أنشأت البحرين ديوان المظالم في وزارة الداخلية لضمان الامتثال للمعايير المهنية للشرطة المنصوص عليها في مدونة سلوك الشرطة، والتبليغ عن السلوكات السيئة لدى الوزارة، والأعمال الجنائية لدى النائب العام.
وفي 9 يونيو/حزيران 2014، ردّ ديوان المظالم على استفسار لـ هيومن رايتس ووتش بالقول إنه رفع جميع الوثائق المتعلقة بوفاة محمود إلى وحدة التحقيقات الخاصة في مكتب المدعي العام. كما قال مسؤولون من ديوان المظالم إنهم يتابعون سير التحقيق، وإن الديوان “يحتفظ بحق إعادة فتح الملف واتخاذ إجراءات تأديبية إذا تم غلقه أو رفضه”. وفي 11 يونيو/حزيران، استجاب الديوان لطلب مماثل حول معلومات تتعلق بوفاة عبد العزيز العبار.
وفي 30 يناير/كانون الثاني، دعت هيومن رايتس ووتش السلطات البحرينية إلى التحقيق في إطلاق النار على فاضل عباس مسلم مرهون، الذي توفي بسبب اصابته خلف الرأس بعد أن أطلقت الشرطة النار على السيارة التي كان يقودها. وقال تقرير صدر حديثا عن الديوان إن وحدات التحقيقات الخاصة تقوم أيضا بالتحقيق في هذا الحادث.
وقال تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق إن 13 حالة وفاة تسببت فيها قوات الأمن، منها سبع حالات وصفت بـ “وفاة بسبب استخدام بندقية”. كما قال تقرير ديوان المظالم الصادر مؤخرا إن وفاة الشخص “ك” في مستشفى السلمانية في 18 أبريل/نيسان كانت ناتجة عن إصابات برصاص الشوزن، وإن وحدة التحقيقات الخاصة قامت بفتح تحقيق جنائي في الموضوع. وفي أبريل/نيسان 2012، توفي أحد المتظاهرين واسمه صلاح عباس حبيب بسبب إصابات برصاص الشوزن. وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، قامت محكمة بحرينية بتبرئة عون الأمن المتهم بالقتل.
في مايو/أيار 2014، أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريرا بينت فيه أنه نادرا ما تتم محاكمة عناصر من قوات الأمن بسبب عمليات القتل غير القانونية، بما في ذلك حالات الوفاة رهن الاحتجاز، وحتى الإدانات القليلة التي حصلت نتجت عنها أحكام مخففة جدا.
قال جو ستورك: “إذا كانت قوات الأمن تخشى الذهاب إلى السجن بسبب أعمالها، ما كانت لتطلق نار البنادق على الأطفال من مسافات قصيرة”.
http://www.hrw.org/ar/news/2014/06/12-0