البحرين: الإتفاقية الأمنية الخليجية تفرض المزيد من القيود على الحريات العامة

GCC Security Pact

يعبر مركز البحرين لحقوق الإنسان عن قلقه للجوء البحرين ودول الجوار في مجلس التعاون الخليجي لتوقيع اتفاقيات ومعاهدات أمنية جديدة في حين أنه من المعروف بأن التعاون بين الأجهزة الأمنية قائم بالفعل منذ  28 نوفمبر 1994م، أي منذ ٢٠ سنة حسب الإتفاقية الأمنية  للتصدي للجريمة. غير أن الإتفاقية الأمنية الجديدة العابرة للحدود الوطنية لكل دولة تحتوي على بنود تتعارض والحريات التي وردت في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتتعارض أيضاً مع القوانين الداخلية وبنود الدستور.

 فقد تم بتاريخ 13 نوفمبر 2012 التوقيع على الإتفاقية الأمنية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الرياض وتم اعتمادها خلال أعمال الدورة الثالثة والثلاثين والتي عقدت في مملكة البحرين خلال الفترة من 24 – 25 ديسمبر 2012.

ومنذ توقيع هذه الإتفاقية وثق مركز البحرين لحقوق الإنسان عدداً من الحالات التي وقع فيها مواطنين بحرينين ضحية لإنتهاكات لحقوقهم بسبب تطبيق هذه الإتفاقية. ففي يناير 2013 حيث تعرض ثلاثة مواطنين بحرينيين مقيمين في سلطنة عمان للإعتقال التعسفي هناك بواسطة الاستخبارات العمانية، وتم نقلهم للبحرين حيث كانوا ضحية للتعذيب بحسب المعلومات الواردة، واتهموا بالإرهاب، وتم التشهير بهم في الإعلام المحلي، وبعد الاعتقال الذي طال عشرة أشهر تم الإفراج عنهم بعد أن برأتهم المحكمة.

وفي يناير 2014 تعرض الفنان البحريني صادق الشعباني المقيم في سلطنة عمان للإعتقال هناك، والإختفاء القسري لمدة قاربت عشرين يوماً بينما تم التحقيق معه بواسطة محققين بحرينين في عمان، وذلك قبل نقله إلى مقر التحقيقات الجنائية في البحرين.

وفي فبراير 2013 تعرض الصحفيين البحرينين ريم خليفة ومنصور الجمري لمنع دخولها إلى الإمارات في مطار دبي دون تقديم أسباب، وهو ما يبدو ذا صلة بالقوائم السوداء التي تدأب الحكومة على تعميمها على السلطات الخليجية لمنع أو مضايقة النشطاء على الحدود.

وفيما يلي توضيح للبنود المخالفة للاتفاقيات الدولية:

المادة (2): تتعاون الدول الاطراف فيما بينها، لملاحقة الخارجين على القانون أو النظام، أو المطلوبين من الدول الاطراف، أياً كانت جنسياتهم، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم.

إن هذه المادة وتحديداً في استخدام مصطلح “الخارجين على القانون أو النظام” الفضفاض وبدون تعريف محدد له من الممكن استخدامها بشكل تعسفي للحد من الحريات وملاحقة النشطاء السياسيين والمعارضين والحقوقيين، وذلك في مخالفة صريحة للبند الأول من المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على أنه “ﻟﻜﻞﻓﺮد ﺣﻖ ﻓﻲ اﻟﺤﺮﻳﺔ وﻓﻰ اﻷﻣﺎن ﻋﻠﻰ ﺷﺨﺼﻪ. وﻻ ﻳﺠﻮز ﺗﻮﻗﻴﻒ أﺣﺪ أو اﻋﺘﻘﺎﻟﻪ ﺗﻌﺴﻔﺎ. وﻻﻳﺠﻮز ﺣﺮﻣﺎن أﺣﺪ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺘﻪ إﻻ ﻷﺳﺒﺎب ﻳﻨﺺ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻘﺎﻧﻮن وﻃﺒﻘﺎ ﻟﻺﺟﺮاء اﻟﻤﻘﺮر ﻓﻴﻪ“. كما أنها تتعارض مع البند الأول من المادة (11) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على أنه “كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه“.كما تتعارض مع الدستور البحرينيوتعتبر خرقاً لمبدأالمتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمّن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع.

المادة (3):تعمل كل دولة طرف على اتخاذ الإجراءات القانونية فيما يعد جريمة، وفقاً للتشريعات النافذة لديها، عند تدخل مواطنيها أو المقيمين بها في الشؤون الداخلية لأي من الدول الأطراف الأخرى.

من غير  الواضح ما الذي يعتبر “تدخلاً” في الشؤون الداخلية، إلا أن هذه المادة تُعد انتهاكاً ومخالفة صريحة للمادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على أنه: “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية“. كما تخالف نص البند الأول من المادة (18) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على أنه “ﻟﻜﻞ إﻧﺴﺎن ﺣﻖ ﻓﻲ ﺣﺮﻳﺔ اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻮﺟﺪان واﻟﺪﻳﻦ “.

المادة (4): تتعاون كل دولة طرف بإحاطة الأطراف الأخرى – عند الطلب– بالمعلومات والبيانات الشخصية عن مواطني الدولة الطالبة أو المقيمين بها، في مجال اختصاصات وزارات الداخلية.

تتعارض هذه المادة مع خصوصية الإنسان لا سيما المادة (17) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على أنه “لا يحوز تعريض أي شخص، على نحو تعسفي أو غير قانوني، لتدخل في خصوصياته أو شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا لأي حملات غير قانونية تمس شرفه أو سمعته.كما أنهمن حق كل شخص أن يحميه القانون من مثل هذا التدخل أو المساس“. كما تتناقض مع مضمون المادة (12) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أنه “لا يعرض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته، ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات“.

ومن موارد القلق أن هذه المادة تجيز لوزارات الداخلية طلب المعلومات الشخصية دون المرور بالأجهزة القضائية ودون الحاجز إلى أمر قضائي وفق الإجراءات الطبيعية المعمول بهاوكما هو الحال في الاتفاقيات الدولية حيث يتم تنظيم مثل هذه الاجرائات عن طريق القضاء عندما تطلب نيابة دولة ما معلومات من دولة  أخرى.

المادة (8): تتبادل الدول الأطراف أسماء المبعدين وأصحاب السوابق الخطرة والبيانات والمعلومات المتعلقة لهم، والإبلاغ عن تحركاتهم.

تتعارض هذه المادة مع الحق في حرية التنقل والسفر وذلك بحسب ما تنص عليه المادة (12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على أنه “لكل فرد يوجد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حق حرية التنقل فيه وحرية اختيار مكان إقامتهكما أنه لكل فرد حرية مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلدهإضافة إلى أنه لا يجوز تقييد الحقوق المذكورة أعلاه بأية قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم، وتكون متمشية مع الحقوق الأخرى المعترف بها في هذا العهد“. كما تتناقض مع مضمون المادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على أنه “لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة“.هذا وقد سبق لمركز البحرين لحقوق الإنسان توثيق حالات من الإجراءات التعسفية التي تُمارس ضد النشطاء لتقييد حريتهم وحرمانهم من ممارسة نشاطهم السلمي.

المادة (10): تعمل الدول الأطراف بشكل جماعي أو ثنائي، على تحقيق التكامل الفعلي للأجهزة الأمنية والتعاون الميداني فيما بينها، وتقديم الدعم والمساندة ـ في حالة الطلب ـ لأي دولة طرف، وفقا لظروف الدولة والدول الأطراف المطلوب منها، وذلك لمواجهة الاضطرابات الأمنية والكوارث.

تعتبر هذه المادة إخلال بمبدأ السيادة الوطنية، حيث يتعدى هنا التعاون الأمني ليصل الى التعاون الميداني علىأرض الواقع من خلال تقديم الدعم والمساندة، وهو تشريع يسمح بتكرار التدخل العسكري لمواجهة الثورات الشعبية كما حدث في مارس 2011 حين دخلت قوات عسكرية إلى البحرين تحت مسمى “قوات درع الجزيرة” لسحق الإحتجاجات الشعبية المطالبة بالحرية والديموقراطية. يُذكر أن هذه المادة قيد التطبيق بالفعل في البحرين حيث توادرت الأنباء عن كون الشرطي الإماراتي القتيل في مارس 2014 هو  أحد أفراد قوة أمنية مشاركة في صفوف الشرطة البحرينية.

المادة (11): تعمل الدول الأطراف، وفقا لكل حالة وبناء على طلب دولة طرف بالسماح للمختصين في الدولة الطرف الطالبة بحضور مرحلة جمع الاستدلالات التي تجري في جرائم وقعت فيها ولها صلة بأمنها، أو بجرائم مماثلة وقعت في اقليمها، أو كان مرتكبوها ممن يتمتعون بجنسيتها، أو كان لهم شركاء يقيمون فيها، أو من المقرر أن تترتب نتائجها في إقليمها.

النصوص الفضفاضة من قبيل المادة 11 تثير المخاوف من الإستخدام التعسفي ضد المدافعين عن حقوق الانسان أو المعارضين السياسيين.

المادة (16): تعمل الدول الأطراف وفقا لما تقضي به التشريعات الوطنية والاتفاقيات التي تلتزم بها الدولة الطرف المطلوب منها التسليم على تسليم الأشخاص الموجودين في إقليمها، الموجه إليهم اتهام، أو المحكوم عليهم من السلطات المختصة لدى أي منها.

تتعارض هذه المادة مع المادة 21 من الدستور البحريني التي تنص على “تسليم اللاجئين السياسيين محظور.”

ويعتقد مركز البحرين لحقوق الإنسان إن الهدف من الاتفاقية الأمنية الجديدة هو مراقبة، وتتبع، ومنع النشطاء الحقوقيين والسياسيين من ممارسة نشاطهم المطلبي السلمي، وتقييد حركتهم في دول الخليج.

وفي حين تم اعتماد الإتفاقية الأمنية في البحرين دون أي موافقة شعبية، وبدون أي نقاش جاد لها من طرف مجلس النواب الذي سارع بالتصديق عليها في يونيو 2013، اعتبرتها قوى سياسية بحرينية انتهاكاً صارخاً لسنَّة التطور، حيث إن هذه الاتفاقية تأتي في تناقض مباشر مع تلك المواد الدستورية التي تضمن الحريات العامة والخاصة.

وبناءاً على ما سبق فإن مركز البحرين لحقوق الإنسان يدعو الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والأمم المتحدة، وجميع الحلفاء الآخرين المقربين والمؤسسات الدولية ذات الصلة إلى ممارسة ضغوط حقيقية على حكومة البحرين من أجل:

  1. إلغاء كافة الاتفاقيات والقوانين المقيدة للحريات العامة
  2. الوفاء بالتزامها الدولي بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادقت عليه، لتتسق جميع قوانينها واتفاقياتها مع نصوصه وأحكامه.
  3. محاسبة جميع المتورطين في الانتهاكات سواءً بالتنفيذ أو الإشراف أو الأوامر وعرضهم للمساءلة ولا سيما ذوي المناصب الرفيعة