اعتداءات حكومية ذات خلفية طائفية على بعض القرى والمناطق الشيعية
يناير 2010
اعتداءات حكومية ذات خلفية طائفية على بعض القرى والمناطق الشيعية
يناير 2010
أصدر مركز البحرين للدراسات والبحوث التقرير الاستراتيجي البحريني لعام 2009 والذي تحدث فيه عن تصاعد عامل الطائفية في المجتمع، والاصطفاف الطائفي في البرلمان والفرز الطائفي التي اتسمت به الاعتصامات المطلبية في البحرين في الأعوام الأخيرة، إلا انه ألقى باللائمة على الأفراد والجمعيات السياسية، وبرأ ساحة السلطة من ذلك بل أشار إلى أن السلطة قامت بمحاولات للتقليص والحد من الطائفية التي فرضت نفسها على بقية الأنشطة. وبرأ التقرير أيضا ساحة الحكومة من سياسة التمييز الطائفي المنهجي في التوظيف ، بل أرجعه إلى اجتهادات شخصية للقائمين على التوظيف من كلا الطائفتين في عملية التوظيف في مؤسسات الدولة. وفي حين أن الحكومة حاولت أن تعطي هذا التقرير زخمًا إعلاميًا وشعبيًا من خلال نشره في الصحف المحلية أو إرساله إلى وكالات الإنباء الأجنبية، والإيحاء بأنه صادر من مؤسسة بحثية مستقلة إلا أن قارئ هذا التقرير يكتشف من الوهلة الأولى توجهه المعبر عن وجهة نظر السلطة، وركاكة حججه في الدفاع عن السلطة بعدم مسئوليتها عن التمييز الطائفي أو الاحتقان والاصطفاف الطائفي. بل وركز على الحديث الإنشائي البعيد عن لغة الأرقام والحجج الداعمة للادعاءات التي أشار إليها . ويتناقض هذا الجزء من التقرير الحكومي المتعلق بالطائفية الذي أصدره مركز البحرين للبحوث مع جميع ما صدر عن المنظمات والمؤسسات المحلية والإقليمية الدولية التي أشارت في تقاريرها إلى مسئولية السلطة في البحرين عن تنامي أجواء الطائفية نتيجة سياستها في التمييز والشحن الطائفي وعلى رأس تلك المنظمات مجموعة الأزمات الدولية والتي أصدرت تقريرا[1] تحذيريًا في عام 2005. كما يتضمن الموقع الالكتروني لمركز البحرين لحقوق الانسان على الكثير من التقارير المحلية والدولية الموثقة بالأرقام والحقائق والتي تتحدث عن مسئولية الفئة الحاكمة عن كل ما يثير هذه الأجواء الطائفية. ومركز البحرين للبحوث وهو هيئة حكومية أسست في عام 1981 بمرسوم ملكي[2] وكان أول رئيس للمركز هو ابن الملك وولي عهده ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ،وتقوم الحكومة برصد الأموال لتمويل هذا المركز من ميزانية البلاد. ويرأس هذا المركز حاليًا الدكتور محمد بن جاسم الغتم وهو عسكري سابق بقوة دفاع البحرين، وهي المؤسسة التي مارست التطهير المذهبي ضد أبناء الشيعة في أوساطها الوظيفية من أجل إخلائها منهم حتى أصبحت نسبتهم لا تتجاوز 1% من هذه المؤسسة العسكرية الأولى والتي يفترض أن تكون رمز الوحدة الوطنية . وتم تعيين الإدارة العليا لمركز البحرين للبحوث المشكلة من 13 فردا[3] على أساس طائفي، إذ لا يوجد بينهم أي مواطن من أبناء الطائفة الشيعية في الوقت الذي تشكل فيه هذه الطائفة ثلثين عدد السكان. ويعتقد مركز البحرين لحقوق الانسان إن هذا التقرير صدر لتلميع وجه السلطة، التي تزايدت الاتهامات الدولية لها على مشروعها الطائفي وانكشاف أمرها للعالم، في وقت تصرف هي فيه المبالغ الضخمة لتحسين صورتها في الخارج، إلا انه ومع كل تلك المحاولات أصبح اسم البحرين يتصدر القوائم السوداء للمنظمات الدولية لما تقوم به من تمييز طائفي ومحاولة الزج بمواطنيها من كلتا الطائفتين في تناحر وتصادم طائفي.
من جهة أخرى فقد شهدت عدة قرى ومناطق في البحرين توترًا امنيًا ومصادمات مع المحتجين نتيجة قيام عناصر القوات الخاصة المشَكلة من رجال المرتزقة الأجانب باقتحام عدة مناطق وقرى من أجل نزع المجسمات والشعارات الحسينية والأعلام السوداء التي عادة ما تعلق من قبل أبناء الطائفة الشيعية في المناطق التي يقطنونها، مع قدوم شهر محرم من كل عام، تخليدًا لذكرى مقتل الإمام الحسين بن على بن أبي طالب فيما يعرف واقعة كربلاء التاريخية. فقد قمعت القوات الخاصة اعتصام نظمته مجموعة من النسوة على خلفية محاولات تلك القوات في نزع الإعلام والشعارات التي تخص موسم عاشوراء في منطقة جدحفص والسنابس والديه ، الاعتصام والذي بدأ في الساعة الثالثة والنصف من عصر يوم السبت 2 يناير 2009م أمام مقبرة قرية السنابس وأستمر لأكثر من ساعة حتى تدخلت القوات الخاصة بعنف لفض هذا الاعتصام النسائي ،حيث استخدمت الرصاص المطاطي والغازات المسيلة للدموع لتفريقهم وأدى هذا الاستخدام المفرط إلى إصابة بعض النساء بجروح طفيفة.
صور من أحداث السنابس
وشهدت من قبلها قرية سند إحدى تلك المواجهات بين المحتجين والقوات الخاصة التي تحاصر تلك القرية الشيعية بأعداد كبيرة منذ اليوم الأول من محرم، واستخدمت فيها الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع. وكانت بوادر تلك المواجهات قد حدثت بعد أن قامت تلك القوات ولعدة مرات منذ بداية شهر محرم باقتحام القرية في منتصف الليل أو عند طلوع الفجر من اجل تمزيق القماش الأسود ونزع لافتات التعزية الحسينية وتكسير المجسمات التي تمثل شخصيات تلك الواقعة، والتي أعتاد المواطنون الشيعة تعليقها على جدران وشوارع القرى، تعبيرًا عن الحزن والحداد في هذه المناسبات.
أحداث قرية سند
والى جانب قرية سند قامت القوات الخاصة باقتحام عدة قرى ومناطق للقيام بنفس الدور في انتزاع المجسمات وقماش السواد والشعارات الحسينية. ومن تلك المناطق والقرى: المعامير ، باربار، سماهيج، الجفير، جنوسان، القرية، كرزكان،جد حفص، الديه، المالكية، صدد، عالي، ومقبرة الدراز وكذلك مدينة المحرق.
ويؤكد مركز البحرين لحقوق الانسان أن الاعتداء على عقائد وشعائر وممارسات أبناء الطائفة الشيعية الدينية يخالف ادعاءات السلطة باحترامها معتقدات المواطنين التي تحاول أن تروج لنفسها في الخارج، بل يعد انتهاكا لالتزامات البحرين الدولية وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي أصبحت البحرين جزء منه، والذي تنص المادة الثامنة عشر منه على أن” لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حده. ولا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره. لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية” بل أخد هذا الميثاق على الناس العهد في الالتزام بذلك ونص على أن” تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة”.
وفي حوادث اعتداءات مجهولة أشارت لها احد الصحف اليومية عن تعرض منزلين[4] في منطقة البسيتين بجزيرة المحرق ويملكهما مواطنين من أبناء الطائفة الشيعية إلى اعتداءات ذات طابع طائفي، وذلك بسبب رفعهم أعلام سوداء على أسطح منازلهم تخليدا لذكرى عاشوراء. فقد تعرض احد المنزلين إلى حريق متعمد، فيما تعرض المنزل الأخر إلى تكسير زجاجة المنزل. يأتي ذلك بعد تهديدات كانا صاحبي المنزل قد تلقياها قبل نحو أسبوع من الحادثين ، ونتيجة حملة من التحريض الطائفي المتكرر والحض على الكراهية المذهبية التي يقودها احد المواقع الالكترونية (ملتقى مملكة البحرين) ، والذي طالب من خلال موقعه بنزع الأعلام السوداء[5] التي تستخدم من قبل الشيعة ومن ثم حرقها ، وهو ما يعتبره الشيعة إهانة لمعتقداتهم وشعائرهم الدينية.
التحريض الطائفي على صفحة موقع مملكة البحرين
ويعتبر هذا الموقع الالكتروني (ملتقى مملكة البحرين) من المواقع التكفيرية والتحريضية ضد أبناء الشيعة والذي يعمل على تغذية مناخ التعصب الديني والكراهية الطائفية. ويعتقد مركز البحرين لحقوق الانسان أن هذا الموقع الالكتروني يدار من قبل مذيع إعلامي بدعم مالي حكومي وبتنسيق مع إدارة الإعلام الخارجي بوزارة الإعلام، ضمن الإستراتيجية الإعلامية التي تحدث عنها تقرير الدكتور صلاح البندر، والتي أشارت إلى وجود مجموعة إعلامية مهمتها رصد المنتديات الشيعية و المشاركة فيها بأسماء مستعارة و تجهيز مواد إعلامية مضادة لخلق توتر طائفي من اجل شق أواصر العلاقات بين أبناء البلاد واختلاق المعارك الوهمية بينهم وزرع بذور الفتنة بين بعضهم البعض.
يعيش أبناء الطائفتين الشيعية والسنية جنبًا إلى جنب منذ مئات السنين في الكثير من المناطق والمدن البحرينية ، دون أي خلافات أو اعتداءات على أي منهم إلا انه ومنذ النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي بدأت السلطة في سياسة الفصل والعزل الطائفي بين الشيعة والسنة، من خلال قيام الديوان الملكي بمنع بيع أو استملاك الأراضي والمباني لأبناء الطائفة الشيعية في منطقة الرفاع سبيلا نحو إخلائها منهم، بل تطورت هذه السياسة في السنوات الأخيرة لتشمل مناطق أخرى مثل بعض مناطق جزيرة المحرق والحورة أو القضيبية، وتحت مسميات وأسباب مختلفة، حتى بات يمنع أبناء الشيعة من السكن في أكثر من 40% من الأراضي البحرينية، بل بات اليوم يطلق على بعض المناطق بالمناطق السنية أو الشيعية وهذه تسمية لم تكن موجودة في السابق. ومع مجيء ملك البلاد إلى سدة الحكم ازدادت سياسة تهميش وعزل أبناء الطائفة الشيعية وعلى جميع المستويات وقد أنشأت الصحف والمواقع الالكترونية بالتحالف مع بعض الجماعات التكفيرية والتي تحض على كراهية أبناء الشيعة وتغذي دعوات التحريض ضدهم، وأصبحت صحيفة الوطن المحسوبة على ديوان الملك هي من يتزعم هذا التوجه والسياسة. ومن اللافت هو انه عند مجيء ملك البلاد إلى سدة الحكم كان قد لقي أكبر دعم وتأييد شعبي في أوساط الشيعة لم يتلقاه قبله أي من حكام البحرين ممن حكموا البلاد في تاريخ هذه الأسرة الحاكمة ومنذ مجيئها إلى البحرين، إلا انه وفي عهده يتعرض أبناء الشيعة لأكبر عملية تهميش وتمييز وعزل وفصل طائفي ممنهج يستهدفهم على جميع المستويات والأصعدة، بل قام ملك البلاد بتعيين أو تقريب أو تمكين الكثير من الشخصيات المعروفة بعدائها لأبناء الشيعة في مناصب مهمة ، وتشهد فترة توليه الحكم مستوى توتر طائفي كبير لم تشهده البحرين من قبل.
وفي حين أن مركز البحرين لحقوق الانسان يحذر من استمرار السلطة في سياستها المنهجية في التمييز ضد أبناء الطائفة الشيعية على جميع الأصعدة والميادين،واستهدافهم في معتقداتهم، فانه يؤكد وبوضوح أن المتهم بالتمييز ضد أبناء الشيعة هي السلطة الحاكمة التي تتبنى هذه السياسة وترعاها، وليس أبناء الطائفة السنية الكريمة التي هي ضحية أخرى من ضحايا هذه السياسة التفريقية، من خلال محاولة السلطة الزج بها لتكون طرفا خلافيا مع أبناء الشيعة إلا انه ولوعي أبناء الطائفتين الكريمتين أمكن تجنب مجاراة هذا المخطط .
وبناء على كل ذلك يطالب مركز البحرين لحقوق الانسان
1- وقف كل العوامل المسببة للطائفية أو التمييز الطائفي بدلاً من محاولة تضليل الرأي العام المحلي والدولي بتقارير زائفة ومزورة للحقائق.
2- احترام عقائد وشعائر ومذاهب الناس والتوقف عن استهدافها والالتزام بالتعهدات الدولية في هذا الإطار.
3- التوقف عن إشاعة الكراهية الدينية بين مكونات الشعب البحرين من خلال الصحف التابعة لقطبي الحكم بل العمل على ترسيخ مبدأ التسامح الديني من أجل خلق أجواء أكثر ايجابية .
——————————————————————————–
[1] التحدي الطائفي في البحرين http://www.crisisgroup.org/home/index.cfm?l=6&id=3404
[2] مرسوم التشكيل في الجريدة الرسميةhttp://www.bcsr.gov.bh/NR/rdonlyres/E7CABA9B-6564-45C0-95F2-35FAEDD763F1/1724/الجريدةالرسميةدولةالبحرين1.pdf
[3] الإدارة العليا لمركز البحرين للبحوث – http://www.bcsr.gov.bh/BCSR/Ar/6june2007
[4] – صحيفة الوسط http://www.alwasatnews.com/2671/news/read/357229/1/البسيتين.html
2- ملتقى مملكة البحرين http://www.moltaqabh.org/vb/showthread.php?t=9235