بقلم أسماء درويش، رئيس المناصرة في مركز البحرين لحقوق الإنسان (BCHR)، عضو AAWE ورئيس الاتصال في شبكة FAWCO لللاجئين
* تمت كتابة هذا المقال ونشره من قبل AAWE Paris، وهي سلسلة من 4 مقالات مطبوعة في رسالتها الإخبارية التي تصدر كل ثلاثة أشهر.
بوليتكنك البحرين
كنت ضمن الدفعة الأولى من الطلاب المسجّلين في بوليتكنك البحرين في عام 2008، وكنت سعيدة جدًا لقبولي لأن البوليتكنك كانت مفهومًا جديدًا في البحرين، ونجحت الفكرة هذه في جذب انتباه العديد من الطلاب المقبلين على الدراسة الجامعية، حيث تم قبول 180 فقط من بين آلاف الطلاب المتقدمين بطلب الالتحاق! لقد أقمت علاقات طيبة جدًا مع زملائي الطلاب والأساتذة، الذين بعضهم ما زالوا أصدقاء إلى هذا اليوم.
سافرت وحدي لأول مرة في صيف عام 2008، في منحة دراسية لدراسات اللغة الإنجليزية والنيوزيلندية في معهد كرايستشيرش للفنون التطبيقية والتكنولوجيا. عفوًا، هل قلت الصيف؟ بالطبع، لم يكن فصل الصيف في النصف الآخر من العالم! كان الشتاء وهو الموسم الذي لم أكن ولن أكون أبدًا معتادة عليه.
كانت هذه الرحلة شيئًا كنت بحاجة إليه لرؤية آفاق مختلفة، وفهم مفاهيم جديدة، واكتشاف حقائق جديدة. لقد كانت البداية لما أصبحت عليه اليوم. كانت نيوزيلندا حقًا تجربة مثالية وبجد، قطعة من الجنة على الأرض! ما زلت أحتفظ بذكريات الكيوي – اسم يطلق على نيوزيلندا- هذه بالقرب من قلبي.
واصلت دراستي في بوليتكنك البحرين حتى أوائل عام 2011، عندما طُردت بسبب “تنظيم احتجاجات طلابية”، أخذوني إلى غرفة تحقيق، حيث وجدت نشاطي على الفيسبوك مطبوعة على أوراق هناك!
نعم، كان عام 2011 هو التحول ليس فقط بالنسبة لي، بل كان التحوّل الذي غيّر تاريخ البحرين إلى الأبد وأثّر على كل شخص بعمق.
خلفية عن هذه الجزيرة الصغيرة في الخليج العربي
تعود الانتفاضة الشعبية البحرينية المطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما قاوم المواطنون الظلم، ودعوا إلى الاستقلال عن الاستعمار البريطاني. كان المواطنون، ولا يزالون، يطالبون بإقامة دولة ديمقراطية تتحقق فيها المواطنة المتساوية من خلال مشاركة منظمات المجتمع المدني في عمليات صنع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
تصاعدت الاحتجاجات في الثمانينيات. قمعتهم الأجهزة الأمنية الحكومية بموجة من المداهمات والاعتقالات الجماعية والاغتيالات والاختفاء القسري والتعذيب المميت وإسقاط الجنسيات ونفي العائلات والاعتداء على الشعائر الدينية وحملات التشهير ضد المعارضين. قتلت الأجهزة الأمنية العديد من المواطنين في السجون. كان من الممكن أن يكون والدي واحداً منهم!
في منتصف التسعينيات، ارتفع عدد المعتقلين السياسيين لدى الأجهزة الأمنية إلى أكثر من 3000 شخص. واستمرت هذه القبضة الحديدية في السيطرة: فالتعبير عن الرأي يعتبر “عملاً إرهابياً”، وبسبب التعذيب والسلوك الأمني، قُتل عدد كبير من الضحايا.
14 فبراير 2011
موعد لن أنساه. إنه عيد الحب، صحيح، لكن ليس هذا هو السبب. كان هذا التاريخ هو اليوم الأول للحراك الشعبي الذي أطلق عليه المتظاهرون “ثورة”. لطالما كنت أبعد نفسي عن السياسة، لذلك لم يكن من المتوقع أن أنضم إلى الحركة.
البحرين هي أرخبيل من 33 جزيرة تقع قبالة الشواطئ الغربية للخليج العربي وهي بحجم جزيرة مالطا تقريبًا. يبلغ عدد مواطنيها بالكاد 800 ألف؛ ومع ذلك، فهي جزيرة مهمة، وهي حليف في المنطقة، وهي بالتأكيد تفوق حجمها الصغير. تقع البحرين على بعد دقائق فقط بالسيارة من المملكة العربية السعودية، التي قدمت، إلى جانب إيران، مطالبات بالجزيرة تعود إلى قرون مضت.
إن تاريخ البحرين الحافل يجعلها واحدة من أكثر الدول نشاطاً سياسياً في المنطقة. و للأسف يُنظر إلى أي تغييرات في الجزيرة على أنها تهديد لدول الخليج العربية الأخرى. هدّدت ثورة عيد الحب هذه وجود ستة ممالك.
خلال الربيع العربي، كانت البحرين تتطلع إلى ربيعها الخاص، دون أن تدرك أنه لن يكون سوى شتاء لا ينتهي! استخدم ضباط الدولة وقواتها الأمنية ومن خلال الإفلات من العقاب القوة المفرطة للرد على الاحتجاجات السلمية والشعبية، وقُتل الكثير، واكتظّت السجون، وتعرّض المعتقلون للتعذيب، ونُفي النشطاء، وسُحبت جنسية مئات المواطنين.
على مرّ السنين، حضر آلاف البحرينيين مسيرات سياسية منتظمة حول قضايا تتراوح بين البطالة إلى التضامن الفلسطيني. اليوم، سينتهي بك المطاف في السجن إذا فكرت – وأنت في سريرك – في الاحتجاج! وهم النظام السياسي بديمقراطية ملكية غنية هو مجرد وهم لا غير.
لذلك، تم تسمية يوم 14 فبراير 2011 بيوم الغضب. استيحاء من الانتفاضات الناجحة في مصر وتونس، نظّم الشباب البحريني “تحالف شباب ثورة 14 فبراير”. قاد التحالف أفراد مجهولون لا ينتمون إلى أي حركة أو منظمة سياسية، والذين رفضوا أي “قواعد دينية أو طائفية أو أيديولوجية” لمطالبهم، ونظّموا الاحتجاجات بشكل رئيسي عبر مواقع وسائل الإعلام الجديدة.
وناشد الشباب الشعب البحريني “الخروج إلى الشوارع يوم الاثنين الموافق 14 فبراير بطريقة سلمية ومنظمة لإعادة كتابة الدستور وتأسيس هيئة ذات تاريخ شعبي كامل للتحقيق والمحاسبة الاقتصادية والسياسية، والانتهاكات الاجتماعية، … وكذلك الفساد المؤسسي والاقتصادي “. وكان أحد المطالب الرئيسية استقالة عم الملك الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، لم يُنتخب الأخير منذ عام 1971، وكان رئيس الوزراء الأطول خدمة في العالم. توفي في نوفمبر الماضي عن عمر يناهز 84 عامًا.
شارك آلاف البحرينيين في 55 مسيرة سلمية في 25 مدينة وقرية، وردّت القوات الأمنية بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والقنابل الصوتية والخرطوش، وأصيب أكثر من 30 متظاهرًا، وقتل منهم واحد.
في اليوم التالي، أرسل مركز البحرين لحقوق الإنسان (BCHR) – المنظمة التي أعمل بها – رسالة مفتوحة إلى الملك يحثه فيها على تجنب “السيناريو الأسوأ” من خلال “إطلاق سراح أكثر من 450 معتقلاً وحقوقيين بحرينيين، ومدافعون وشخصيات دينية وأكثر من 110 أطفال وحل جهاز الأمن ومحاكمة المسؤولين عن الانتهاكات “.
خيّم المتظاهرون في المنامة لأيام في دوار اللؤلؤة، وبعد شهر، طلبت حكومة البحرين مساعدة قوات من درع شبه الجزيرة التابع لمجلس التعاون الخليجي. في 14 مارس، دخل 1000 جندي من المملكة العربية السعودية و500 جندي من الإمارات العربية المتحدة وسحقوا الانتفاضة. بعد يوم واحد، أعلن الملك حمد الأحكام العرفية وحالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر. تم إخلاء دوار اللؤلؤة من المتظاهرين، وتم هدم التمثال الأيقوني في وسطه.
منذ ذلك الحين، أقمن عهد على نفسي بأن أسعى وأصبح صوت من لا صوت لهم. في بعض الأحيان نجحت بذلك، وأحيانًا لم أنجح. واصلت المسير مهما كان. أنا مدافعة عن العدالة ومدافعة عن حقوق الإنسان. أنا أيضًا سيدة تبلغ من العمر 30 عامًا من جزيرة صغيرة تسمى البحرين. لقد غيّرت “انتفاضة اللؤلؤ” الثمينة مجرى حياتي إلى الأبد.
يتبع….