عندما أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة أياماً دولية للاحتفال بها كان الهدف منها نشر الوعي بما يتعلق بقضايا تهمّ البشرية جمعاء وضمن هذا السياق يأتي الاحتفال اليوم 9 ديسمبر باليوم العالمي لمكافحة الفساد.
أن سياسة الإفلات من العقاب السائدة في البحرين تجعل من يمارس الفساد يستفيد من حصانة يتمتع بها، ويمكنه من التمادي في هذه الممارسات، فعلى سبيل المثال ما زال المسؤولين عن ممارسة التعذيب و سوء المعاملة ضد المطالبين بالديمقراطية ينالون الجوائز الوطنية فالأمير ناصر بن حمد الملقّب محليا و دوليا بأمير التعذيب، والذي أعلن على شاشة التلفزيون المحلي في 2011 أن “جميع المشاركين في الاحتجاجات سيُحاسَبون، وأن البحرين جزيرة صغيرة وليس هناك مكان للهرب” بات سجلّه حافلاّ بالانتهاكات الحقوقية، وفيه ما يكفي لإدانته في المحافل الدولية واتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه، ومع هذا فإنه ينال الترقية تلو الأخرى، حتى بعد إعلان المحكمةالبريطانية العليا قرارها برفع الحصانة عنه فيما يتعلق بجرائم التعذيب.
وكانت مملكة البحرين قد وقّعت على اتفاقية مكافحة الفساد بتاريخ 27 فبراير 2005، وصدّقت عليها بموجب القانون رقم (7) لسنة 2010، وسعت لإنشاء مؤسسات وهيئات حكومية تعنى بالشأن الحقوقي كالمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، والأمانة العامة للتظلّمات، ومفوّضية حقوق السجناء، إلا أن هذه الهيئات عملت كأداة في يد الحكومة لتضليل العدالة، وللانتقام من الضحايا الذين يتقدّمون إليها لإبلاغها عن الظلم الذي لحق بهم، مما أفقدها مصداقيتها، وأغرق نظام العدالة القضائية في الفساد، وجعل السلطات البحرينية فوق القانون.
وكان مركز البحرين لحقوق الإنسان قد وثّق في العشرات من التقارير التي نُشرت على موقعها الالكتروتي كيف يفلت الجناة من العقاب وكيف يتحول الضحايا بأمر ملكي إلى جناة بعد أن تلصق بهم تهم الإرهاب والتي أصبحت عمومية تُطلق على كل من يُطالب بحق أساسي من الحقوق المنصوص عليها في الدساتير الدولية. وكان المركز قد نشر تقرير هيومان رايتس ووتش بعنوان البحرين: تجريم المعارضة وترسيخ الإفلات من العقاب، ونقلاً عن لسان جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا “يُواجه الشرطي البحريني الذي يقوم بقتل متظاهر بدم بارد، أو بضرب محتجز حتى الموت، عقوبة بالسجن تتراوح بين ستة أشهر وسنتين، بينما يواجه المتظاهر السلمي الذي يدعو إلى إقامة نظام جمهوري عقوبة السجن المؤبد. إن مشكلة البحرين ليست في اختلال نظام العدالة، إنما في نظام الظلم الذي يؤدي عمله بشكل جيد!”.
ولا يكاد يخلو أي تقرير أو بيان صدر عن مركز البحرين لحقوق الإنسان من ذكر الانتهاكات للحقوق المدنية و السياسية التي تمارسها السلطات بما في ذلك داخل السجون، ومن تجاهلها التام لتوصيات اللجنة البحرينية المستقلّة لتقصّي الحقائق، رغم تصريح القائم بأعمال رئيس وحدة التحقيق الخاصة محمد خالد الهزاع بأن “الوحدة تلتزم تجاه ضحايا التعذيب بالمعايير الدولية المقررة وبالأخص القواعد الواردة ببروتوكول اسطنبول لتقصي وتوثيق التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”, إن عدم وجود أي نوع من المساءلة التي تطال كبار المسؤولين، يرسّخ ثقافة الإفلات من العقاب والتي تعتبر من أهم التحديات التي تواجه الحركة الدولية لحقوق الإنسان.
ولقد أصبحت هيئات مراقبة حقوق الإنسان التي أنشئت في البحرين تعمل كواجهة للتغطية على انتهاكات حقوق الإنسان في محاولة لإظهار أن البحرين تسير بخطى حثيثة نحو الإصلاح، إلا أن ما يُرتكب من انتهاكات بات واضحًا لدرجة لا يمكن إخفاؤه، مما دعا العديد من المنظمات الدولية والحقوقية إلى نشر تقارير توثّق كيف أن الجلاد ينعم بالحرية على حساب ضحيته كما ورد في تقرير آيفكس “كيف تُكافئ الحكومة البحرينية القامعين بينما تفرض أجواء من الرعب على المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين والصحفيين”.
وفي هذا اليوم الدولي الذي يحتفي به العالم بمكافحة الفساد تحت شعار” التعافي تحت راية النزاهة” حسب بيان الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن مركز البحرين لحقوق الإنسان يطالب ب:
- وضع حدّ لثقافة الإفلات من العقاب الواسعة الانتشار بين كبار المسؤولين في البلاد.
- إجراء تحقيقات جديّة في حالات القتل خارج نطاق القضاء، وقضايا التعذيب، وبث خطابات الكراهية والتحريض التي ارتكبها أعضاء وزارة الداخلية ومسؤولون أمنيون آخرون في البحرين.
- الإفراج الفوري والغير مشروط عن جميع السجناء السياسيين في البحرين.
- إنهاء كل ممارسات التعذيب لانتزاع الاعترافات.
- السماح للمقرر الخاص المعني بالتعذيب بزيارة البحرين لتوثيق شهادات الضحايا.