مقدمة:
الحق في حرية الرأي والتعبير هو أحد حقوق الإنسان الأساسية، ومدخلاً للحفاظ على بقية الحريات والحقوق، ودون هذا الحق يستشري الفساد وتعم الفوضى وتتواصل انتهاكات حقوق الإنسان حتى تتحول المجتمعات إلى مجتمعات استبدادية. وقد اشتملت العديد من العهود والاتفاقيات الدولية على نصوصٍ تؤكد على هذا الحق . ففي المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصٌ صريح على أنه “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية”. ويشّكل هذا الحق دعامة جوهرية للدول والمجتمعات الديموقراطية.
حرية الرأي والتعبير في البحرين:
- عامي 2010 و 2011:
منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في البحرين في 14 فبراير 2011 تسارعت الأحداث وتحولت الاحتجاجات إلى مواجهات بين المحتجين السلميين وأجهزة الأمن، مما نتج عنه مقتل 3 مواطنين خارج إطار القانون وعدد من الجرحى واستمرار للقمع الممنهج لكافة الأنشطة الاحتجاجية السلمية.
وبنظرة سريعة على الأحداث، بدأت أوضاع حقوق الإنسان في البحرين بالتدهور بشكل كبير خلال النصف الثاني من عام 2010، فبدءًا من أواسط أغسطس قامت السلطات الأمنية باعتقال ما يقارب من مائتي وخمسين شخصاً، من بينهم رموز وقياديين في جمعيات سياسية مناهضة للحكومة، كما أغلقت السلطات مواقع إلكترونية ومطبوعات للجمعيات السياسية المعارضة دون مبرر قانوني، وفي عام 2011 استخدمت السلطات البحرينية القوة المفضية للموت في قمع التظاهرات السلمية المعارضة للحكومة والاحتجاجات المُطالبة بالديمقراطية، كما واستخدمت قوات الأمن الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية في قمعها للمحتجين مما تسبب في تزايد حالات القتل والإصابات في صفوف المحتجين والمارة، واستمر هذا القمع ضد المحتجين حتى بعد رفع حالة الطوارئ التي عرفت بفترة “السلامة الوطنية” في 1 يونيو 2011 من قبل السلطات الرسمية.
- عام 2012:
أما في عام 2012 لم تنجح الحكومة في تنفيذ التوصيات الأساسية التي صدرت عن اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق المعروفة بلجنة “بسيوني” – التي عيّنها ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة- للتحقيق في رد الحكومة على المظاهرات المُطالبة بالديمقراطية في فبراير ومارس 2011 وخلصت اللجنة إلى أن قوات الأمن استخدمت القوة المفرطة ضد المحتجين السلميين واعتقلتهم تعسفاً وقامت بتعريضهم للتعذيب وسوء المعاملة وحرمتهم من حقهم في المحاكمات العادلة.
- عامي 2013 و 2014:
وفي العامين 2013 و2014 تدهور سجل حقوق الإنسان في البحرين في مجالات أساسية ولم تحرز الحكومة تقدماً حقيقياً يُذكر على مسار الإصلاحات التي ادّعت أنها تسعى لتحقيقها، فقد استمرت قوات الأمن في القبض على العديد من الأشخاص تعسفاً في القرى و المدن التي تشهد حركة احتجاجات بشكل منتظم، ووردت منظمات حقوق الإنسان المحلية و الدولية تقارير بشأن التعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز و السجن لتكون متوافقة مع نتائج اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق لعام 2011.
ويتناقض إخفاق السلطات الرسمية على أرض الواقع في تنفيذ عدد من التوصيات الأساسية من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، مع مزاعمها بأنها تحرز تقدماً على مسار حقوق الإنسان، فالسلطات لم تقوّم النظام القضائي كما تعرّض نشطاء حقوق الإنسان والأفراد المنتمين للأحزاب السياسية المعارضة للاعتقال والملاحقة القضائية، وقامت السلطات بتعزيز وضعها بفرض المزيد من التشريعات و إعطاء الصلاحيات للتعسف في تجريد المعارضين من جنسياتهم وما يرتبط بها من حقوق.
واستمر الوضع بالتدهور واستمرت الاحتجاجات المناوئة للحكومة رغم الحظر المفروض على حرية التجمع، واستخدمت الشرطة القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين، في حين واصلت السلطات فرض قيود على حرية التعبير، وحاكمت نشطاء بارزين ووجوه من المعارضة بتهم تتعلق بحرية الرأي والتعبير ضمن محاكمات غير عادلة، و شرعنت قوانين جديدة لسحب الجنسيات من نشطاء حقوقيين ومعارضين سياسيين، فصاروا من عديمي الجنسية.
عوضاً عن إطلاق حرية التجمع والتظاهر السلمي والذي يُعد شكلاً من أشكال حرية الرأي والتعبير، لجأت السلطات في البحرين لتقييد هذا الحق بشكل تدريجي حتى منعته بشكل تام في عام 2013. ففي عام 2006 صدر قانون التجمعات والتظاهرات الذي يضع قيودًا على التجمعات كما صدر في عام 2012 تعديل جديد يضع مزيداً من القيود للحد من التظاهرات والتجمعات كما يضع غرامات باهظة على المخالفين. وجاء في قرار وزير الداخلية راشد بن عبدالله آل خليفة بأنه سيتم وقف جميع المسيرات والتجمعات ولن يتم السماح بتنظيم أي فعالية إلا بعد الاطمئنان إلى استتباب الأمن وتحقيق الاستقرار الأمني المنشود بهدف الحفاظ على الوحدة الوطنية وتماسك النسيج الاجتماعي ومنعاً لكل أشكال التطرف من أي أحد.
وبناءً على ذلك منعت السلطات البحرينية المواطنين من التظاهر السلمي واعتقلت المشاركين في التظاهرات والداعين لها، كما فرضت قيودًا على مواقع التواصل الاجتماعي وحاصرت المغردين على شبكة تويتر والنشطاء الإلكترونيين، وأغلقت دون مسوغ حقيقي صحيفة “الوسط” وهي الصحيفة الوحيدة المستقلة. وفي مارس من كل عام وهو الشهر الذي اعتاد فيه البحرينيون التظاهر تنديداً لاستخدام السلطة القوة المفرطة لفضّ التجمع الشعبي الأكبر الذي شهده محيط دوار اللؤلؤة في العام 2011 ونتج عن ذلك القمع وفاة العديد من المواطنين وإصابة المئات ناهيك عن تتالي موجة اعتقالات تعسفية تضمنت اعتقال العديد من القيادات السياسية والنشطاء الحقوقيين في البحرين والذين ما زال يقبع العديد منهم في السجن حتى لحظة كتابة هذا التقرير.
- عام 2016:
وفي عام 2016 حصل تدهور واضح في أوضاع حقوق الإنسان في البحرين عندما حلّت السلطات جمعية الوفاق الوطني الإسلامية-أكبر جمعية سياسية في البلاد-، وسجنت أبرز ناشط حقوقي، ومارست مضايقات في حق رجال دين ينتمون للطائفة الشيعية، وقامت بحاكمة العديد منهم وأسقطت جنسياتهم تعسّفًا كما حصل مع الزعيم الروحي لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية، الشيخ عيسى قاسم، وقد تسبّب هذا القمع الممنهج للحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات في تقويض احتمالات التوصل إلى حلّ سياسي للاضطرابات الداخلية في البحرين.
- عام 2017:
استمرّ وضع حقوق الإنسان في البحرين في التدهور في عام 2017، فقد أغلقت السلطات الرسمية “صيحفة الوسط” والتي كان يعتبرها الكثير الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد، وحلّت أبرز جمعية سياسية يسارية علمانية، في حين مازال الناشط الحقوقي الأبرز في البلاد، نبيل رجب، يقبع في السجن بتُهم متعلقة بحرية الرأي والتعبير، و قد أقدمت الحكومة على إعدام 3 أشخاص في يناير 2017، منهية بذلك فعليًا تعليقها تنفيذ عقوبة الإعدام، بعد محاكمات غير عادلة، رغم إفادة الضحايا لمنظمات دولية بانتزاع اعترافات كاذبة منهم تحت وطأة التعذيب.
- عام 2018:
وفي عام 2018 جرّدت المحاكم البحرينية منذ يناير ما لا يقل عن 243 شخصًا من جنسيتهم، بمن فيهم نشطاء حقوقيين، ما ترك أغلبهم بدون جنسية، كما قامت السلطات بترحيل 8 أشخاص على الأقل قسرًأ بعد تجريدهم من الجنسية، كما أيّدت محكمة التمييز حكماً بالسجن خمس سنوات على نبيل رجب، رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان و نائب أمين عام الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، على خلفية تغريداته التي انتقد فيها التعذيب في “سجن جو المركزي” في البحرين والعمليات العسكرية بقيادة السعودية في اليمن.
- عام 2019:
أمّا في 2019، وسعّت البحرين قمعها لنشاط وسائل الإعلام الاجتماعي على الإنترنت، ففي 30 مايو ، أعلنت وزارة الداخلية البحرينية أنها ستحاكم الأشخاص الذين يتابعون “الحسابات التي تقوم بالتحريض” أو الذين يعيدون نشر ما تكتب تلك الحسابات المحرضة على حساباتهم في “تويتر”، واتفق تويتر في منشور بتاريخ 6 يونيو مع الناشطين على أن مثل هذه التصريحات “تشكل خطرًا كبيرًا على حرية التعبير والصحافة”.
أمام هذه الأحداث ونتيجة لموقعها داخل المنظومة الدولية فقد تلقّت البحرين العديد من المواقف الدولية المتأرجحة بين الدعوات الدولية لرعاية الحق في التعبير والمطالبة بالديمقراطية وبين مصالحها السياسية والاقتصادية المشتركة.
وعلى الرغم من الدعوات المحلية و الدولية التي وجهت للبحرين لضمان الحق في حرية التجمع والجمعيات والتعبير عن الرأي لاسيما بعد قرار البحرين بمنع التظاهرات في العاصمة المنامة إلا أن السلطة تجاهلت هذه الدعوات الأمر الذي يعد انتهاكاً صريحًا لحقوق الإنسان لاسيما ما جاء في المادة (20) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تنص على أنه “لكل شخص حق في حرية الإشتراك في الاجتماعات والتجمعات السلمية”. والمادة (21) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تنص على أن “حق التجمع حق مهم لمجتمع ديمقراطي يمارس رقابته على السلطات العامة عن طريق الرأي العام”.
و في ظل استمرار المجتمع الدولي بالتعاطي المخجل مع قضايا حقوق الإنسان في البحرين لا سيما تلك المعاناة الإنسانية والحقوقية التي يعانيها السجناء لم تحاسب السلطات المسؤولين عن التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة رغم إنشاء آليات رقابة على النحو الذي أوصت به “اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق”، التي أنشأت في أعقاب الاحتجاجات الشعبية في 2011.
قالت “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها العالمي 2019 إن البحرين قمعت المعارضة السلمية خلال 2018، مما أنهى فعلياً كل أشكال المعارضة. لم يُسمح لأي وسيلة إعلامية مستقلة بالعمل في البلاد في 2018، كما منع البرلمان، قبيل الانتخابات البرلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني، أعضاء أحزاب المعارضة المنحلة من الترشح. تم اعتقال معارضين سلميين ومحاكمتهم وإساءة معاملتهم وتجريدهم من الجنسية.
ولاحقت السلطات العديد من المغردين بسبب نشاطهم على مواقع التواصل الإجتماعي ونقدهم لسياسة الحكومة أو لمجرد إبدائهم آراء مخالفة للرأي الرسمي للدولة لاسيما على موقع تويتر وكان المحامي البحريني عبدالله الشملاوي من بين من تم محاكمتهم بسبب تغريدات له على موقع تويتر، وأصدرت السلطة أحكاماً قضائية ضد آخرين من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم واستدعت آخرين للتحقيق أو ما زالت تحاكمهم كالمحامي عبدالله هاشم وتم الضغط على بعض المغردين للتوقف عن التغريد من خلال تهديدهم وتعريضهم لتعذيب نفسي وسوء معاملة. والجدير بالذكر أن بعض من تم اعتقالهم بسبب تغريدات لهم على تويتر شملت انتقادًا لأداء مجلس النواب أو انتقادًا لسياسة اتبعتها او تتبعها الدولة أو لإبداء رأي بخصوص بحث ديني أو مذهبي.
- قائمة مدونين ونشطاء الكترونيين معتقلين:
- خليل المدهون، ناشط الكتروني
- سيد علي سيد فلاح الدرازي، ناشط الكتروني
- علي المعراج، ناشط الكتروني
- سيد أحمد الموسوي، مصور
- أحمد حميدان، مصور
- محمود الجزيري، صحافي
- حسن قمبر، مصور
- جعفر مرهون، مصور
- أحمد زين الدين، مصور
- مصطفى ربيع، مصور
- حسام سرور، مصور
- ياسر الموالي، ناشط الكتروني
- حسن غريب، مصور
- محمد الشروقي، مقدم برامج تلفزيونية
- عبدالعزيز الشمري، ناشط الكتروني
- عبدالعزيز الشاويش، ناشط الكتروني
- ظافر الزياني، ناشط الكتروني
- أحمد البنخليل، ناشط الكتروني
- صحافيون وكتّاب تم سحب جنسياتهم:
- حسين يوسف
- علي عبدالإمام
- عباس بوصفوان
- سيد أحمد الموسوي
- علي المعراج
- محمود الجزيري
- د. علي الديري
الخلاصة:
ظلت حرية الرأي والتعبير في البحرين تكافح طيلة العقود الماضية للتحرر من قيودها وقد تضخمت هذه القيود بعد أحداث 2011، إذ تعاملت الحكومة مع من يعبّر عن رأيه بأشد أنواع القمع فوجد هؤلاء أنفسهم عُرضة للقتل أو عمليات الاعتقال أو سحب الجنسية.
القمع الذي تمارسه حكومة البحرين نابع من القوانين التي تم تشريعها حديثًا والتي يتضمن نصوص تحكم بالحبس أو الفصل من العمل بطريقة لا تراعي فيها القوانين الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالإضافة إلى مخالفاتها للمادة التاسعة عشر من العهد الأممي للحقوق المدنية والسياسية.
التوصيات:
- الإفراج الفوري وغير المشروط عن كافة معتقلي الرأي والضمير الذين تعرضوا للاعتقال بسبب تعبيرهم عن آرائهم؛
- إلغاء القوانين التي لا تتوافق مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في قانون العقوبات البحريني والتي تحد من حرية التعبير؛
- السماح لصحيفة “الوسط” بالعودة لمزاولة عملها دون شروط أو قيود لا تلتقي مع المادة التاسعة عشر من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية المدنية والسياسية؛
- إلغاء حل الجمعيات السياسية والسماح لها بممارسة حقها المشروع في النشاط السياسي السلمي.