تقرير| لقد كانت وما زالت السلطات في البحرين تستخدم الاختفاء القسري ضد الأفرادالمعارضين أو المنتقدين لسياساتها على مدى عقود، وأصبح الأمر يطبق على نطاق أوسع وأكثر منهجية منذ بداية الاحتجاجات الشعبية في فبرايى من عام2011، إذ سمحت السلطات للجهات الأمنية المسؤولة عن القبض الجنائي الحق في استخدامها لـلاختفاء القسري بموجب قانون “حماية المجتمع من الاعمال الإرهابية” الصادر بمرسوم رقم (٦٨) لسنة ٢٠٠٦ الذي منح الصلاحيات التامة لجهاز الأمن الوطني احتجاز المتهم لفترة ٢٨ يوم أو أكثر دون إذن من القضاء.
وفي آخر رصد لمركز البحرين لحقوق الإنسان لانتهاكات الحكومة البحرينية وممارستها الاختفاء القسري، اعتقلت السلطات الأمنية خمسة أطفال بتاريخ 16 يناير 2020 بعد مداهمات غير قانونية لمنازلهم في منطقة الدراز، وهم من بين 19 حالة اعتقال تم تسجيلها في فترة مابين 13 حتى 26 يناير 2020، وبقوا أكثر من 15 يوماً في مبنى التحقيقات الجنائية دون معرفة التهم الموجهة لهم وهو الأمر الذي أثار القلق لدى أهاليهم أنهم يتعرضون لسوء المعاملة. هؤلاء الأطفال هم : “سيد فلاح سيد حسن، سيد محمد سيد باقر، سيد رضا سيد باقر، ليث محمد الدرازي، وعلي ناصر حفيد الشيخ عيسى قاسم.”
- مسار الاختفاء
اعتمدت الحكومة البحرينية هذه الاجراءات ضد الناشطين والحقوقيين للتخويف والترهيب وتتراوح مدة الاختفاء القسري من أيام إلى أسابيع وصولاً إلى أشهر. وفي قراءة عامة للحالات في البحرين فإن الاختفاء القسري يجري عادة بمداهمة المنزل من قبل رجال ملثمين يرتدون ملابس مدنية مدعومة من قبل قوات أمن، ويتم اعتقال أحد افراد العائلةمن غير إبراز مذكرة إعتقال أو تفتيش للمنزل. وعندما تحاول العائلة الإستعلام عن الشخص المعتقل في مركز الشرطة و/أو في مديرية التحقيقات الجنائية، يقوم هؤلاء بنفي وجوده في عهدتهم، ويتبين فيما بعد أنه تم اعتقاله والتحقيق معه من دون الاتصال بذويه وغالبًا ما يكون ذلك بالضغط وسوء المعاملة و أحيانًا يصل حتى التعذيب الجسدي والنفسي و من دون وجود محامٍ.
- الإفلات من العقاب وعدم التعويض
في اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، يبدي مركز البحرين لحقوق الإنسان قلقه إزاء القوانين والتشريعات المحلية الصادرة عن المشرّع البحريني والتي تخالف المواثيق والمعاهدات الدولية. هذه التشريعات تحمي السلطات التي تمارس جريمة الاختفاء القسري وتتجاهل جميع الشكاوى المقدمة من الضحايا. وقد تم تأسيس هيئة بموجب قرار النائب العام رقم (٨) لسنة ٢٠١٢ مهمتها التحقيق في ادعاءات التعذيب والمعاملة اللاإنسانية ولكنها لم تحقق في أي من حالات الاختفاء القسري.
إن التركيز على قضايا الاختفاء القسري يأتي في سياق المطالبة بالتحقيق ومقاضاة الجناة وتحريك المجتمع الدولي للضغط على الحكومة البحرينية بإنهاء هذه الممارسات بالإضافة إلى ضرورة معاقبة كل من له علاقة بقضايا التعذيب والاختفاء القسري والمحاكمات غير العادلة، فإن عدم المحاسبة يؤدي إلى التمادي في الانتهاكات والإفلات من العقاب.
إن التناقض في القوانين البحرينية يظهر من خلال تشريع حالات الاختفاء القسري وفق قانون “حماية المجتمع من الاعمال الإرهابية” والذي يعتبر مخالف للدستور والقوانين البحرينية ومخالفة واضحة لمرسوم بقانون الإجراءات الجنائية رقم (46) لسنة 2002 المادة (61) التي تنص على أنه “لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات المختصة بذلك قانوناً، كما يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان، ولا يجوز إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا. ويواجه كل من يقبض عليه بأسباب القبض عليه، ويكون له حق الاتصال بمن يرى من ذويه لإبلاغهم بما حدث والاستعانة بمحام”.
إضافة إلى كل ذلك فإنه يتم أيضًا اصدار أحكام جائرة بناء على اعتقالات غير قانونية واعترافات تؤخذ تحت وطأة التعذيب بينها أحكام اعدام تم تنفيذ بعضها وأحكام بالسجن تكون في غالبها مشددة و غليظة تصل للمؤبد وأحكام بإسقاط الجنسية.
- توثيق الاختفاء القسري
يوثّق مركز البحرين لحقوق الإنسان حالات الاختفاء القسري التي طالت العديد من الناشطين والحقوقيين ليس آخرها الطفل كميل جمعة حسن الذي يبلغ من العمر ستة عشر عاماً اذ تم اعتقاله عام 2019 بسبب نشاط والدته الحقوقي، وتعرض للتعذيب والتنكيل وتم استجوابه عن نشاط والدته عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتم منعه من الاتصال بذويه أو توكيل محامٍ. حُكم على كميل في قضايا متعددة، ولا يزال لديه المزيد من القضايا العالقة في المحكمة. وتشمل التهم التي أدين بها التجمهر، وحيازة زجاجات حارقة، وأعمال شغب، وحرق متعمد، والانضمام إلى جماعة “إرهابية”، وبلغت العقوبة الإجمالية لكميل 26 سنة، ولكن بعد الاستئناف، تم تخفيضها إلى 20 سنة و 10 أشهر حتى الآن. وبالنظر إلى المعلومات الي وصلت لنا أن كميل لم يمثّل على وجه السرعة أمام قاضٍ، ومُنع من الاتصال بمحاميه أثناء استجوابه ومحاكمته، وأُرغم على التوقيع على أوراق دون معرفة محتوياتها، و هذه المعلومات – بحال صحتها – فإن السلطات البحرينية تكون قد انتهكت حقوقه في الإجراءات القانونية الواجبة وحقه في محاكمة عادلة
بالإضافة إلى اختفاء رجل الدين الشيخ حامد عاشور منذ وصوله مطار البحرين الدولي في أغسطس2020، وأبدت عائلة الشيخ قلقها الشديد عليه في ظل رفض السلطات الكشف عن مصيره، وحاولت عائلته بعد مرور ساعات على اختفائه القسري معرفة أسباب إنقطاع أخباره من السلطات المختصة في مطار البحرين الدولي إلا أنها لم تتلقى إجابات عن مصيره.
ومن ضمن الحالات التي يوثقها المركز: المعتقل عباس علي عون فرج، كان يبلغ من العمر 19 سنة عند الاعتقال بتاريخ 14 أبريل 2019، وقد تعرّض للتعذيب والإكراه الجسدي والنفسي في الحافلة أثناء نقله إلى مبنى الإدارة العامة للمباحث الجنائية وأثناء الاستجواب الذي لم يسمح فيه بحضور المحامي ولم يعرّف للمتهم بالحقوق الأساسية الخاصة به، ولم يسمح له بالاتصال أو التواصل مع أهله، إلا بعد أسبوع من عرضه على النيابة العامة، حيث أن المعتقل أكره على توقيع محاضر التحقيق في النيابة العامة، ووجهّت له تهم ما زال ينكرها.
إضافة إلى الأطفال الخمسة التي سبق ذكرهم أعلاه فإن مركز البحرين لحقوق الإنسان سبق أن وثق حالات الاختفاء القسري وقد برزت حالات لناشطين تم ذكرهم في العديد من المحافل الدولية، من بينها اختفاء الشاعر والكاتب البحريني محمد البوفلاسة بعد وقت قصير من إلقائه خطاب عام2011 ولم تعرف عائلته مكان وجوده لأكثر من شهر، حتى أبلغهم مصدر مسؤول من قوة دفاع البحرين بأنه كان محتجزاً في مقر قوة الدفاع. إضافة إلى جعفر الدمستاني، والمدافع عن حقوق الإنسان ناجي فتيل، والمدافع البارز عن حقوق الإنسان عبد الهادي الخواجة، ورئيس جمعية المعلمين البحرينية الأستاذ مهدي أبو ديب وغيرها من الحالات التي يمكنكم الاطلاع عليها في تقرير الاختفاء القسري في البحرين الصادر عن مركز البحرين لحقوق الإنسان.
- التوصيات
في السياق، قالت رئيسة مركز البحرين لحقوق الإنسان السيدة نضال السلمان: “إن الاختفاء القسري لـكميل وتعذيبه وإساءة معاملته لا يعد فقط انتهاكًا للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية مناهضة التعذيب ولكنه أيضًا انتهاكًا لاتفاقية حقوق الطفل، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كميل لا يزال قاصراً”. وتضيف أن: “كميل هو أحد الحالات التي يتم توثيقها في حين أن ملف الحكومة البحرينية مليء بقضايا الاختفاء القسري والتعذيب وأحكام الإعدام”.
لم تصادق البحرين حتى الآن على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وقد وكانت من بين التوصيات ال ١٧٥ للاستعراض الدوري الشامل للبحرين لسنة ٢٠١٧ في عدد من التوصيات التي حثت على ضرورة مصادقتها للاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري كما انها لم تصادق على البروتكول الاختياري لاتفاقية التعذيب أيضاً.
من هنا يطالب مركز البحرين لحقوق الإنسان الحكومة البحرينية بـ:
- ضرورة الانضمام للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والالتزام بتقديم تقارير الى هيئة الخبراء المستقلين التي ترصد تنفيذ الدول الأطراف للاتفاقية.
- اجراء تحقيق ومقاضاة للمسؤولين عن جريمة الاختفاء القسري في محاكم عادلة وضمان حصول الضحايا على تعويض.
- تعديل القوانين التي تسمح للسطات الأمنية بارتكاب جريمة الاختفاء القسري.
- الإفراج عن جميع ضحايا الاختفاء القسري، فضلاً عن جميع السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير.