قضية عباس عبدعلي:
تواطؤ التحقيقات والنيابة لاعتقال الضحية والتستر على الجناة
الخادمة الفلبينية تتعرض للاعتداء والضغط وتشويه السمعة والاعتقال التعسفي
وربما الإبعاد من البلاد
قضية عباس عبدعلي:
تواطؤ التحقيقات والنيابة لاعتقال الضحية والتستر على الجناة
الخادمة الفلبينية تتعرض للاعتداء والضغط وتشويه السمعة والاعتقال التعسفي
وربما الإبعاد من البلاد
تقدم مركز البحرين لحقوق الإنسان بشكوى لدى الأجهزة المختصة بالأمم المتحدة تتعلق بقضية الاعتداء على الموظف بوزارة الداخلية عباس عبدعلي بتاريخ 6 يوليو الجاري. وقد قدم المركز أدلة قد تكشف عن تواطؤ أجهزة الأمن والقضاء في تحويل القضية من دعوى اعتداء على السلامة الجسدية قد تصل إلى جريمة الشروع في القتل عن ترصد، إلى قضية ضد الضحية تتهمه بتقديم معلومات تفصيلية غير صحيحة عن الواقعة، وتم بناء على ذلك حبس الضحية لمدة ثمانية أيام تعرض فيها للضغوط وسوء المعاملة لتقديم اعترافات تتطابق مع ما أعلن عنه رئيس التحقيقات قبل استكمال تحقيقات النيابة.
إن مركز البحرين لحقوق الإنسان لا يستطيع التحقق من الوقائع التي سترد في هذا التقرير، وخصوصا المتعلقة بالوقائع التي سبقت الاعتداء أو مكان وقوع الاعتداء، ولكن المركز قلق جدا من التركيز على تلك التفاصيل لمعاقبة الضحية والتستر على الجناة، بالرغم من إقرار التحقيقات والنيابة بوقوع الاعتداء ومعرفتهما لمعلومات مهمة عن الجناة. وقد طلب المركز من الأمم المتحدة معالجة قضية عباس عبدعلي ودراسة نتائجها باعتبارها نموذج يبين الخلل في إجراءات تطبيق القوانين والعدالة، وسوء استغلال السلطة في البحرين. كما قدم المركز نماذج من شكاوى لضحايا تعذيب من حقبة أمن الدولة ضد مسؤولين في أجهزة الأمن والنيابة والمحاكم، لعلاقة بعض أولئك المتهمين بقضية عباس. وقد ابلغ مسؤولون بالأمم المتحدة مركز البحرين لحقوق الإنسان، بأنهم يدرسون القضية، وان إجراءاتهم سيتم الشروع فيها بعد انتهاء إجراءات القضاء البحريني.
لقد أثبتت التقارير الطبية والصور الفوتوغرافية وتصريحات المسؤولين ونتائج التحقيقات بأن عباس عبدعلي قد تعرض فعلا لاعتداء على سلامته البدنية، مما أدى إلى جروح عميقة متعددة في الرأس والوجه. وكان كلا من رئيس التحقيقات الجنائية ومدير التحقيقات قد تولوا بأنفسهم في مؤتمر صحفي محاولة إثبات بان الاعتداء على عباس قد تم في قرية جو وليس في قرية العكر “كما يقول الضحية”، وأكدوا ان المعتدين لم يكونوا ملثمين، وانهم من قرية جو (وهي قرية معزولة صغيرة جدا من السهل الكشف فيها عن المتورطين في مثل هذا الحادث). ولكن بدلا من التركيز على الجريمة الأصلية والكشف عن الجناة بعد توفر كل تلك الدلائل، ركز قسم التحقيقات الجنائية جهوده لدى وسائل الإعلام لإثبات بان ابعاد الجريمة أخلاقية وليست سياسية، واستعانوا في ذلك بإفادة خادمة فلبينية تعمل في قرية جو تم عرضها أمام المؤتمر الصحافي.
ووفقا لشهادة الخادمة التي اعتمد عليها بشكل رئيسي كل من قسم التحقيقات والنيابة ، فإنها أقرت أمام الصحافة – وهي ترتعد خوفا- بعلاقة عادية مع عباس وإنها خرجت معه في تلك الليلة لمجرد قضاء بعض الوقت. ولكنها أفادت في نفس الوقت بأنه وعند عودتهما تمت ملاحقتهما من قبل عدة سيارات بين قرية “عسكر” وقرية “جو”، ثم قام حوالي عشرين شخصا بضربهما، وإنها تستطيع التعرف على وجوه الأشخاص الذين قاموا بالاعتداء حيث كانت وجوههم مكشوفة. وقالت بان كفيلها جاء وأخذها منهم ثم اعتدى هو عليها بالضرب، وفي المنزل اعتدت عليها زوجة الكفيل أيضا. وان كفيلها قد أخذها للشرطة في صباح نفس اليوم، وإنها ظلت في المعتقل لمدة خمسة أيام، وان هناك ترتيبات لإبعادها من البلاد بشكل عاجل.
ويتبين التواطؤ والتستر في هذه القضية في إن أي من أجهزة الأمن أو النيابة لم يطلب الاستماع إلى أقوال كفيل الخادمة سواء كمشتبه به في الاعتداء على عباس أو كشاهد، وذلك رغم تواجده في مسرح الجريمة ومعرفته بالجناة وفقا لسياق شهادة الخادمة. علما بأن الكفيل المذكور وربما بعض من قاموا بالاعتداء، ينتمون إلى عائلة ينتمي لها ايضا أفراد متهمين في قضايا تعذيب سابقة، وضباط أمن ذوي صلة بالتحقيق في قضية موسى عبدعلي الذي تم اختطافه والاعتداء عليه العام الماضي. أما عن بقية الجناة في قضية عباس فقد اكتفت النيابة العامة بقول قسم التحقيقات بأنهم لم يتعرفوا عليهم(!). وبدلا من كشف الجناة قام وكيل النيابة بالتحقيق مع الضحية بتهمة إعطاء معلومات غير صحيحة عن مكان ضربه وعلاقته بالخادمة، و أمر بحبسه لمدة اسبوع تعرض فيها للضغوط وسوء المعاملة والتشهير في الصحافة من قبل وكيل النيابة نفسه. وقد تم نقل الضحية المحبوس إلى المستشفى أثناء تحقيق النيابة. ورغم كل ذلك ظل ضحية الاعتداء مصرا على إن الاعتداء حصل في قرية العكر وانه لا يعرف أي شيء عن تلك الخادمة، وقد أعلن وكيل النيابة بان “المتهم” أخفى بعض المعلومات لعدم كشف علاقتة بالخادمة أمام عائلته(!). ورغم عدم توجيه اية تهمة تتعلق بجرائم الآداب للضحية أو الخادمة، إلا انه قد تم التشهير بهما من قبل رئيس قسم التحقيقات ووكيل النيابة وتم نشر صورتيهما في الصحف على طريقة صور المجرمين المتهمين بجرائم أخلاقية.
ومن غرائب هذه القضية، أن الخادمة قد شهدت بوجود شخص رابع معهم في السيارة، مما يتناقض مع أقوال الشاهد الآخر الذي نفى ذلك، ولم تبذل التحقيقات أو النيابة أي جهد للتعرف على هوية الشخص الرابع أو اخذ شهادته. كما إن الخادمة في إفادتها المفصلة الأولى لقسم التحقيقات كانت تدعي بأنها الشخص الذي هي على علاقة به اسمه محمد وقد عرفت اسمه من هويته الشخصية، وانه هو الذي تعرض للاعتداء. أما في النيابة فقد قالت بأنها تعرفت عليه منذ البداية باسم عباس (!). كما إن وكيل النيابة لم يطلب بنفسه ان تتعرف الشاهدة مباشرة على عباس، و إنما اكتفى بشهادة مكتوبة من شرطية قالت بأن الخادمة تعرفت على صورته (!). كما لم تحتوي أوراق القضية على تقرير الطبيب الشرعي عن نوعية إصابات عباس و إذا كانت تنطبق على قصة الخادمة، رغم صدور قرار من النيابة بذلك.
وإذا كان الضحية قد تم سجنه وتقديمه للمحاكمة بتهمة تقديم تفاصيل غير صحيحة (لحماية حياته العائلية كما جاء في أوراق النيابة)، فان تصريحات رئيس التحقيقات الجنائية في الصحافة كانت حافلة بالتضارب. فالتناقضات واضحة بين تصريحاته وبين أقوال الشهود التي يفترض انه اعتمد عليها. كما انه غير أقواله بشكل واضح فيما يتعلق بوقت الاعتداء، وكذلك وقت مجيء كفيل الخادمة إلى مسرح الجريمة وطريقة اصطحابه لها، بما يتعارض تماما مع إفادة الخادمة والتي يفترض بأنها الشاهدة الوحيدة بشأن حادثة الاعتداء. كما أن رئيس التحقيقات هدد في تصريحه وبشكل علني بإنزال العقاب بزميل عباس – الذي يعمل بوزارة الداخلية- بصفته شريك في مخالفة أخلاقية، وكان نتيجة ذلك ان أدلى بأقواله ضد زميله، ولا تتضمن هذه الشهادة وقائع الاعتداء التي أقر الشاهد بأنه لم يحضرها.
أما القاضي الذي تم جلب الضحية أمامه كمتهم، فانه لم يستجب لطلب المحامي بتقديم شهود القضية الرئيسين أمام المحكمة، ولا للطلب بمنع إبعاد الخادمة من البلاد خصوصا إنها شاهد رئيسي في القضية. وقد تم إطلاق سراح الضحية بكفالة وهو لا يدري هل هو مجرم أم ضحية.
تفاصيل القضية
في ساعة مبكرة من يوم الخميس 6 يوليو الجاري، تم إدخال المواطن عباس عبدعلي إلى المستشفى العسكري. ووفقا لتقرير المستشفى، فان عباس قد ادخل المستشفى الساعة 5:10 صباحا، وتم معالجته من جروح في الرأس والوجه. وقد كشف التقرير الطبي والصور الفوتوغرافية التي نشرتها الصحافة المحلية عن وجود عمليات قطب جراحية في ثلاث أماكن في الرأس وفي الأنف، وكدمات وتورم حول العينين وخلف الإذن اليسرى وفي الظهر. وقد تم إخراج عباس من المستشفى في الساعة 6:40 صباحا، ولكن ونتيجة لتدهور حالته الصحية مجددا واستمرار النزيف تم نقله بواسطة سيارة الإسعاف إلى مستشفى السلمانية الحكومي، حيث بقي تحت العلاج لمدة 3 أيام (مرفق نسخ من التقارير الطبية والصور الفوتوغرافية)
وأثناء وجوده في المستشفى، ابلغ عباس الصحافة والشرطة ومركز البحرين لحقوق الإنسان بأن مجموعة من الملثمين أوقفوا سيارته عند اقترابه من منزله في قرية العكر، وقد حاصرته عدة سيارات وتم إخراجه بالقوة من سيارته وضربه بعنف بواسطة عصي خشبية وأدوات حادة لم يتمكن من رؤيتها . وقد تقدمت عائلة عباس ببلاغ لدى الشرطة، وبتاريخ 8 يوليو نظمت العائلة اعتصاما احتجاجيا أمام الديوان الملكي للمطالبة بالكشف عن الجناة.
السلطة تؤكد وقوع الاعتداء ولكن بتفاصيل مختلفة :
بتاريخ 8 يوليو الجاري، عقد فاروق المعاودة المدير العام لقسم التحقيقات الجنائية مؤتمرا صحفيا قال فيه بأنه لا صحة للادعاء بأن عباس قد تعرض للاعتداء من قبل أشخاص ملثمين، و إنما تم ضربه من قبل بعض الأشخاص المقيمين بقرية جو، وذلك بسبب مرافقته في سيارته لخادمة تعمل بالقرية.
وقال المعاودة بان الوزارة قد حققت في القضية وقد تبين بأن عباس علي – وهو موظف جديد بوزارة الداخلية- وبرفقة زميل له يعمل عسكريا بالوزارة، وفي حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل قد اصطحبا بواسطة السيارة خادمة آسيوية من منزل كفيلها وذهبوا إلى مرقص ليلي. وفي الساعة الخامسة قام عباس بإرجاع الخادمة إلى منزل كفيلها، حيث تفاجأ الاثنان بوجود الكفيل والجيران بانتظارهم. وحالما رأوا عباس قاموا بضربه قبل ان يتمكن من الفرار. و أضاف المعاودة بأن الكفيل اخذ الخادمة الى مركز الشرطة، وانه سيتم إبعاد الخادمة قريبا.
وقد أكد المعاودة عدم وجود أبعاد سياسية للحادثة. وإنها مجرد قضية مرتبطة بالحصول على المتعة بشكل غير قانوني. وان السكان كانوا غاضبين لانهم شعروا بأنه قد تم التعرض لكرامة واحد منهم (أي الخادمة). و أضاف المعاودة بأنه سيتم معاقبة الموظف العسكري (زميل عباس) بسبب عدم احترامه للقوانين رغم كونه شرطيا، حيث انه ساعد عباس بالذهاب معه لاصطحاب الخادمة بدون علم كفيلها، وذلك يعتبر جريمة(!).
قال المعاودة ذلك للصحافة في وجود الخادمة التي كان يبدو عليها الذعر. وقد أخبرت الخادمة إحدى الصحف بأنها تعرفت على عباس لمدة اسبوع فقط، وإنها قد قامت بالاتصال به بعد الحصول على رقم هاتفه من إحدى صديقاتها، وأنها تعتبره مجرد صديق وإنها كانت المرة الأولى التي تخرج فيها معه للمرح.
اعتقال الضحية(!)
استدعت النيابة العامة عباس بالرغم من وضعه الصحي وكونه في إجازة مرضية. وقد ابلغ المحامي محمد المطوع مركز البحرين لحقوق الإنسان بأنه وفي يوم 10 يوليو اصطحب عباس إلى مبنى النيابة العامة. وبعد انتظار دام ساعة ونصف دون فائدة، قررا مغادرة المبنى والعودة في اليوم التالي. ولكن المحامي تفاجأ فيما بعد حين علم بان عباس لم يرجع للمنزل ذلك اليوم وان عائلته قد فقدوا الاتصال بهاتفه المحمول.
وبتاريخ 10 يوليو، قرر وكيل النيابة نايف يوسف حبس عباس 7 أيام على ذمة التحقيق، بعد أن وجهت إليه النيابة ”تهمة البلاغ الكاذب”، وذلك بعد أن استمعت النيابة إليه كمدعٍ، وحققت معه في جلسة مطولة استمرت أكثر من 3 ساعات متواصلة. من جهته، نفى عباس حقيقة الواقعة التي سردتها وزارة الداخلية، مؤكدا أنه “تعرض للضرب من أشخاص مجهولين”. وبحسب النيابة، اتضح من الهاتف النقال الخاص بالخادمة الأسيوية، أنها أجرت اتصالات مع رقم هاتف عباس، وهو ما أنكره عباس. واستندت النيابة العامة على المادة (233) من قانون العقوبات والتي تنص على ( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبالغرامة التي لا تتجاوز خمسين دينارا أو بإحدى هاتين العقوبتين من أبلغ السلطة القضائية أو الإدارية عن جريمة يعلم أنها لم ترتكب أو أدلى في شأنها أمام سلطة الضبط القضائي أو التحقيق الابتدائي بمعلومات غير صحيحة وهو يعلم بذلك) وصرح وكيل النيابة إن عباس اقر له بأنه أخفى بعض المعلومات لإخفاء علاقته بالخادمة عن عائلته . ولكن عباس نفى ذلك.
معلومات ذات صلة بالقضية: حملة تستهدف مواطنين موظفين بوزارة الداخلية:
تم توظيف عباس عبدعلي بوزارة الداخلية في العام الماضي ضمن العشرات من المواطنين العاطلين، وذلك بعد انتقادات واسعة لوزارة الداخلية بسبب سياستها الطائفية في التوظيف، وسلسلة من أعمال الاحتجاج التي قام بها العاطلون. ونتيجة لذلك تم في نوفمبر 2005 اختطاف موسى عبدعلي والاعتداء عليه من قبل عناصر يعتقد بأنها من قوات الأمن، وموسى هو شقيق عباس عبدعلي. ويقبع موسى حاليا هو وعدد من الناشطين بلجنة العاطلين في السجن بتهم تتعلق بالمشاركة في تجمعات غير مرخصة. ومن بين المعتقلين اثنان من الموظفين بوزارة الداخلية: حسن عبدالنبي، 25 عاماً، سترة، (المنسق السابق للجنة العاطلين وكان قد تعرض للاعتداء والاختطاف سابقا من قوات الأمن) وعبدالأمير مدن، 25 عاماً، المعامير.
وقبل الاعتداء على عباس بيومين وجه أحد الموظفين الجدد بالوزارة رسالة إلى وزير الداخلية يشكو فيها من سلسلة من المضايقات والتهديدات التي تعرض لها مؤخرا بما في ذلك توقيفه يوم 2 يوليو الجاري، حيث قال بان ضابطا كبيرا بالتحقيقات الجنائية حقق معه ووجه له تهديدا بالقتل (مرفق نص رسالة الموظف للوزير). وقد تلقى مركز البحرين لحقوق الإنسان شكاوى من موظفين بوزارة الداخلية بأنهم يعانون من المضايقات وتدهور وضعهم الوظيفي لاسباب طائفية (راجع بيان المركز بتاريخ البحرين: 3 يونيو 2006).