احتجاز وثائق سفر العمالة المهاجرة وحرمانها من السفر: وسيلة للابتزاز والسخرة والاستعباد

يشعر مركز البحرين لحقوق الإنسان بقلق بالغ جراء تنامي ظاهرة احتجاز وثائق السفر الخاصة بالعمالة المهاجرة من قبل الكفلاء، أو المؤسسات التي يعملون بها، وحرمانهم من السفر
يشعر مركز البحرين لحقوق الإنسان بقلق بالغ جراء تنامي ظاهرة احتجاز وثائق السفر الخاصة بالعمالة المهاجرة من قبل الكفلاء، أو المؤسسات التي يعملون بها، وحرمانهم من السفر
وذلك من اجل ابتزازهم للحصول منهم على مكاسب أو تنازلات غير مشروعة كمستحقاتهم المالية التي حصدوها خلال سنوات عملهم، مستغلين شغف تلك العمالة بعد سنوات طويلة الرجوع إلى أوطانها .
يشير مصطلح “العامل المهاجر” إلى الشخص الذي يزاول نشاطا مقابل أجر في دولة ليس من رعاياها. وتحظر المادة الواحدة والعشرون من الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم على أي شخص أو جهة، أن يصادر أو يعدم وثائق الهوية، أو الوثائق التي تخوّل الدخول إلى الأراضي الوطنية أو البقاء أو الإقامة أو الاستقرار فيها، أو تصاريح العمل.
ولا يجوز، بأية حال من الأحوال، إعدام جواز سفر أو وثيقة معادلة لجواز سفر عامل مهاجر أو أحد أفراد أسرته. كذلك يحظر الدستور البحريني فرض قيود على حرية الحركة إلا بموجب نصوص القانون وتحت الإشراف القضائي.
بدأت ظاهرة احتجاز وثائق السفر الخاصة بالعمالة المهاجرة مع تدفق جلب الأيدي العاملة المهاجرة غير الماهرة الرخيصة من جنوب وشرق أسيا في بداية سنوات السبعينيات
وذلك بحجة حماية صاحب العمل من هروب البعض منها إلى أوطانها في حالة ارتكابها أي جرم أو مخالفة للقانون، مما يحمل الكفيل النتائج المترتبة على ذلك
إلا أن هذه الظاهرة نمت وأصبحت أداة ضغط وابتزاز وعقاب يقوم به الكثير من أرباب العمل تجاه هذه الفئة الضعيفة والتي من بينها أعداد كبيرة من النساء اللاتي يعملن خادمات في المنازل.
(( أؤكد أنا الموقع أدناه ……. ، بأنني قد قبلت تسوية كافة حقوقي ومستحقاتي الناشئة عن علاقة العمل بيني وبين شركة ……. وذلك مقابل استلامي لمبلغ إجمالي وقدره ……
كما أؤكد على أن المبلغ المذكور يشمل كافة حقوقي. بموجب استلامي للمبلغ المذكور أكون قد تخالصت مع الشركة مخالصة نهائية ولا يتبقى لي أي حقوق حالية أو مستقبلية أو مطالبات متعلقة بعلاقة العمل بيني وبين الشركة المذكورة))
هذا بعض ما ورد في وثيقة التنازل الذي كتبها ج كمار مرغما بعد أكثر من سنة من المداولات بين وزارة العمل ومن ثم المحكمة العمالية
وفيها يتنازل كمار عن جزء كبير من مستحقاته المالية التي جمعها في فترة عشرين عاما من العمل، مقابل الحصول على جواز سفره والسماح له المغادرة إلى وطنه ليجاور أمه أيامها الأخيرة وهي تنازع الموت، ولكنه فشل بعد التنازل عن كل ذلك في الوصول إليها في الوقت المناسب.
تنص الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم أنه لا يجوز إخضاع العمال المهاجرين أو أي من أفراد أسرهم “للعبودية” أو إكراههم على السخرة أو العمل الإلزامي
ومن غير المسموح بموجب القانون البحريني الإجبار على العمل أو إساءة استغلال، ومع هذا، وعلى أرض الواقع حدثت إساءة استغلال وبشكل خاص في حالات خدم المنازل والأشخاص الذين يعملون بشكل غير قانوني.
يعاني الكثير من أفراد هذه الفئة الضعيفة من العمالة المهاجرة جراء مصادرة وثائقهم، وعدم التصريح لهم بالسفر من قبل أرباب أعمالهم، الأمر الذي يقيد حريتهم في التنقل، ويحدُّ من قدرتهم على إبلاغ سلطات تنفيذ القانون بما يقاسونه من سوء المعاملة، دون تعريض أنفسهم لخطر الاعتقال والسجن أو الغرامات.
ولا يجد هؤلاء مناصاً في مقابل حصولهم على وثائق سفرهم وتحت وطأة الديون الباهظة، وفي غياب أي خيارات أخرى أمامهم، من العمل في ظروف استغلالية مجحفة للغاية تبلغ في واقع الأمر حد السخرة أو العبودية، أو التنازل عن جميع مستحقاتهم التي ادخروها خلال سنوات عملهم، أو العمل من غير اجر أحيانا
بل يجبر الكثير منهم على دفع مبالغ باهظة في مقابل السماح لهم بالسفر، وتجبر أحيانا بعض النساء العاملات في المنازل أو الفنادق على معاشرة الكفيل أو المدير كي يسمح لهن بالمغادرة إلى بلدانهن.
وازدادت في السنوات الأخيرة تلك الظاهرة تعقيدا بدخول فئة جديدة على خط ممارسة تلك الانتهاكات وهم أصحاب العمل الآتين من نفس تلك الدول التي تأتي منها هذه العمالة المهاجرة ويحملوا نفس جنسيتها مثل الهند وبنغلادش وذلك من خلال رخص عمل استأجروها من مواطنين مقابل مبالغ مالية.
وعادة ما تتعرض العمالة المهاجرة وخصوصا النساء منهن ممن ليس لهن تمثيل دبلوماسي في البحرين مثل سيرلنكا واندونيسيا إلى أسوأ أنواع الانتهاكات لعدم وجود مكان يلجان إليه.
((السيد مدير الشئون الإدارية والمالية بإدارة الهجرة والجوازات – مملكة البحرين نحن مجموعة من……. عاملا نعمل لدى شركة……….. .
لقد توقفنا عن العمل ورفعنا دعوة عمالية بشهر 2- 2004 بعد توقف صاحب العمل عن دفع أجوورنا الشهرية لمدة الأربعة شهور المتتالية الأخيرة. وحيث انه ليس لدينا أي مصدر رزق نقتات أو نعيش منه وحيث إننا لا نرغب في العمل كعمالة هاربة غير قانونية. فإننا نطلب من سعادتكم مخاطبة صاحب العمل لتزويدنا بجوازات وتذاكر سفرنا ))
ألان وبعد أكثر من 18 شهر وحتى كتابة هذا التقرير، يرفض كفيل هؤلاء العمال تسليمهم جوازات سفرهم ودفع مستحقاتهم للمغادرة إلى وطنهم، ومع كل تلك الظروف المالية الصعبة التي يعيشها هؤلاء، وما يزيد من معاناتهم، أن القانون المحلي لا يسمح لهم بالعمل مع غير كفيلهم، مما يعني بقائهم من دون أي مصدر للدخل.
ومما يضاعف قلق المركز هو وقوف مؤسسات أنفاذ القانون الرسمية موقف العاجز المتفرج، حيال كل تلك الانتهاكات لحق هذه العمالة المهاجرة في التنقل والعمل والاحتفاظ بوثائق سفرها. فحين إنها لا تسمح لهم العمل لكسب الرزق مع غير كفيلهم
فإنها لا توفر المأوى الذي يمكن العيش فيه أثناء تلك الفترة، التي لا يوجد فيها أي دخل لهذه العمالة تقتات منه، بل تتقاعس عن اتخاذ أي إجراء حيال أرباب العمل الذين يمنعوا عمالتهم من المغادرة واحتجاز وثائقهم.
يقابل ذلك تجاهل المؤسسات النقابية والجمعيات النسائية عن طرح مشاكل العمالة المهاجرة بشكل جدي، وخصوصا النساء منهن، والمشاركة في ووضع الحلول لها.
تنص المادة السادسة والعشرون من الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم على أن تعترف الدول بحق العمال المهاجرين في المشاركة في اجتماعات وأنشطة نقابات العمال وأي جمعيات أخرى والانضمام بحرية إليها و التماس العون والمساعدة من أية نقابة عمال ومن أية جمعية من قبيل الجمعيات سالفة الذكر.
(( نواجه مشكلة كبيرة مع جهات أنفاد القانون مثل وزارة العمل وإدارة الهجرة والجوازات في تطبيق الكثير من القوانين المعنية بالعمالة المهاجرة ، وأحيانا نجد رفضا من وزارة العمل في تطبيق قرارات قد أصدرتها مسبقا،إن القاعدة المعروفة أن وثائق السفر ملك لصاحبها أو سفارة دولته إلا أن هذه القاعدة لا يتم تطبيقها هنا )) المحامي زياد قيومجي من المحامين المعروفين في الدفاع عن العمالة المهاجرة .
تقوم عادة وزارة العمل بإحالة كل القضايا العمالية بما فيها احتجاز وثائق السفر للمحاكم، التي عادة ما تستغرق وقتا طويلا ربما تمتد أحيانا لبضع سنوات مما يضطر هذه العمالة إلى الانتظار وقتا طويلا مع حرمانها من حقها في العمل وكسب الرزق أثناء كل تلك الفترة .
ساهمت كل تلك الضغوط والمعاملة آلا إنسانية في خلق حالة من اليأس والإحباط في أوساط هذه الفئة الضعيفة، مما يودي بالبعض منهم للانتحار، ويلاحظ هذا من خلال الزيادة الكبيرة في حالات الانتحار بين تلك الفئة المسجلة لدى المستشفيات.
وقد كان ما بين 40% من الحالات التي حاولت الانتحار سنة 2003 والتي تم تحويلها إلى مستشفيات الطب النفسي الحكومية من العاملات المهاجرات الذين يعملن كخادمات في المنازل، وأن 22 عامل بناء قاموا بالانتحار في عام 2003، وفي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2004 انتحر 11 عاملا أجنبيا.
وساهمت كذلك كل تلك الانتهاكات في هروب الكثير منهم والعمل بطريقة غير مشروعة لتوفير مصاريف الإعاشة، وعادة ما يتم القبض عليهم لاحقا كعمالة سائبة أو هاربة ويزجوا في السجون مع المجرمين ومن ثم يتم ترحيلهم.
تنص المادة عشرين من الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم على عدم جواز سجن العامل المهاجر حرمانه أو أي فرد من أسرته من إذن الإقامة أو تصريح العمل لمجرد عدم وفائه بالتزام تعاقدي.
التوصيات :
1- إلى السلطات البحرينية:
أ – المصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، والتي تكفل حقوق الإنسان الأساسية لجميع المهاجرين، بما في ذلك حقهم في الحياة
وفي إجراءات قضائية منصفة، وفي تلقي محاكمات عادلة، وحقهم في حرية التعبير. مع إيجاد تشريعات، وإصلاح التشريعات الموجودة، بما يتلائم مع المعايير الدولية
ب- تنفيذ توصيات لجنة مناهضة التعذيب ولجنة مناهضة كل أشكال التمييز العنصري الأخيرة خصوصا الجزء المتعلق منها بحماية العمالة المهاجرة وأفراد أسرهم.
ت‌- منع الكفلاء ومكاتب الاستقدام والمؤسسات من احتجاز وثائق السفر الخاصة بالعمالة المهاجرة من غير موافقة أصحابها، والتأكيد على معاقبة من يخالف ذلك
وأن تقوم أجهزة أنفاذ القانون المختلفة كوزارة العمل وإدارة الهجرة والجوازات ومراكز الشرطة، باتخاذ إجراءات صارمة ضد كل من يثبت مخالفته ذلك، وعدم انتظار إحالة تلك القضايا للمحاكم.
ث – وقف جلب العمالة المهاجرة من تلك الدول التي لا يوجد لها سفارات أو مكاتب عمالية في البحرين مثل سيرلانكا واندونيسيا وارتريا وإثيوبيا حتى أن تفتح لها مكاتب تعنى بمواطنيها.
ج – توفير مأوى لضحايا العنف والاعتداء من العمالة وخصوصا النساء منهم والاتي ليس لديهن مكان تلجأن إليه أو مصدر رزق تقتتن منه.
ح- إيجاد أنظمة وقوانين حماية للكفيل أيضا، بحيث لا يحتاج فيها إلى احتجاز وثائق العمالة المهاجرة، على أن لا تحد هذه الأنظمة والقوانين من حرية تلك العمالة في التنقل والسفر و حقها في احتفاظها بوثائقها.
2- إلى سفارات الدول المصدرة للعمالة:
أ‌- أن تأخذ دوره وتتحمل مسؤولياتها في حماية مواطنيها وتوفير المساعدة القانونية لهم.
ب‌- إحاطة العمال المهاجرين – وخصوصا النساء منهن- قبل مجيئهم إلى البحرين علما بظروف العمل وبحقوقهن بموجب القوانين المحلية والمعايير الدولية.
ت‌- فتح باب سفاراتها كمأوى مؤقت لمواطنيها الذين يعنون من ظروف فوق إرادتهم، وتسهيل مغادرتهم.
ث‌- إيجاد آلية عقابية لمواطنيهم الذين يعملوا برخص عمل محلية مؤجرة ويمارسون تلك الانتهاكات. وكذلك مواطنيهم الكفلاء الذين يثبت انتهاكهم لحقوق تلك العمالة.
3- إلى مؤسسات المجتمع المدني في البحرين والبلدان المصدرة للعمالة الأجنبية: ان حقوق العمالة المهاجرة جزء لا يتجزءا من حقوق الإنسان وحقوق العمالة الوطنية ومن هذا المنطلق على النقابات المحلية وكذلك الجمعيات واللجان الحقوقية و النسائية الدفاع عن هذه العمالة أسوة بالعمالة الوطنية.
4- على المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية المختصة في حقوق الإنسان وحقوق العمال وحقوق العمالة المهاجرة أن تتحمل مسؤولياتها في الدفاع عن حقوق هؤلاء الأفراد.
مركز البحرين لحقوق الإنسان
لمزيدا من المعلومات يرجى الاتصال
نبيل رجب
97339633399
البريد: mailbchr@bchr.net